Deprecated: Automatic conversion of false to array is deprecated in /homepages/4/d885985160/htdocs/ksar.es/wp-content/themes/amnews/includes/fonts.php on line 616

حشرجة الموت .

30 سبتمبر 2022

ذ . إدريس حيدر : 

كانت السماء رمادية ملبدة بالغيوم ، و يسود المدينة صمت رهيب ، و كان الناس يتحركون ببطء و في كل اتجاه ، و ريح شرقية ،تهب خفيفة و مزعجة .
إنه فصل الخريف .
فجأة رأيت تجمعا للمارة قرب المحطة الطرقية ،اقتربت من الجموع ،لأجد شابا في مقتبل العمر ،و من مهمشي المدينة و المعروف بإدمانه على الكحول ،ممددا على الأرض، و لا يحرك ساكنا .
صاح أحد الحاضرين :
” إنه ميت …” و أضاف:
“علينا بالاتصال بالجهات ذات الاختصاص من أجل اتخاذ المتعين ” .
انصرفت إلى حال سبيلي متأثرا بالنهاية الدرماتيكية لذاك الشاب الذي كنت اعرفه .
دلفت إلى إحدى الدكاكين التجارية الكبرى ،فسمعتُ أحدهم يؤكد أن شابا من المدمنين على الكحول ،عُثر عليه ميتا في إحدى الفنادق الشعبية .
و تمر ساعات الزمان بطيئة ، و يُعلنُ في كل مرة عن وفاة شاب آخر .
و كان نصيب الحي الذي ازددت و ترعرعت فيه هو قضاء شابين ،أحدهما عُثر عليه ميتا على كرسيه ،لأنه كان يبيع في آخر الليل فتاتا بالتقسيط ك: السجائر و غيرها .
كان جثة هامدة و متكئا على ظهره و على الحائط .
توالت الأخبار المزعجة و المؤلمة ،طيلة اليوم ، و التي تفيد موت شباب آخرين ،وصل عددهم إلى 21.
عمَّ حزن عميق كل المدينة ، و خرج أهل المتوفين إلى الشارع يولولون و يبكون موتاهم و يطالبون بأعلى أصواتهم بالقصاص ، من مرتكبي هذه الفاجعة .
تضاربت الأقوال و الحكايات و كثرت المزايدات ، و استعراض البطولات ، و نسي القوم ،أن هؤلاء البؤساء ،كانوا يعيشون معهم و بجوارهم،و لم يكونوا يحظون بالاهتمام أو التضامن الذي يستحقونه كبشر ،بل كان التعامل معهم قاسيا باعتبارهم مزعجين.
تناقلت فيما بعد جل و سائل التواصل الإجتماعي و القنوات التلفزية و الإذاعية عبر العالم هذه الواقعة المأساوية .
و بعد مرور أيام معدودات ،دُفنت جثث أولئك المهمشين في مقبرة المدينة ،في جو من الحزن و العويل و البكاء من طرف ذويهم .
و استمرت الحياة …،و كأن شيئا لم يقع ، بل هناك من الجمهور من أصدر أحكاما قاسية في حق المتوفين .
أثَّرَ فِيَّ هذا الوضع المؤلم و العنيف ،و تساءلت ُ :
” هل المقاربة الأمنية كافية للردع و لوضع حد لمثل هذه المآسي ؟
و من المسؤول عن هذه الوضعية الكارثية ؟
و هل يكفي إبداء الحزن و الألم و الحسرة من خلال كتابات خاصة لطي هذا الملف ؟ ” .
يقينا ، أنه لو وقعت هذه الحادثة في بلد تُحْترم فيه كرامة المواطن ، لَتَمَّتْ مساءلة وزراء الحكومة و خاصة : وزراء الصحة ، الداخلية …الخ . و لَقَدَّمَ المسؤولون عن القطاعات ذات الصلة استقالاتهم.
لكن في بلادنا المكلومة ،لا قيمة فيها للفرد خاصة إذا كان مهمشا، مقصيا، مدمنا و منسيا .
علينا جميعا ( مجتمعا مدنيا ،احزابا سياسية و إطارات إجتماعية و ثقافية ) أن نتحمل مسؤولياتنا ، و نرافع من أجل القضاء على هذه الظواهر المشينة ، و ذلك بنهج الدولة لسياسة إدماجهم و إنشاء مراكز لإيوائهم و الاعتناء بهم .
يقينا أن هذه التجليات و الحالات متواجدة ايضا في الدول المتقدمة و الديمقراطية ، لكن لا يُتْرَكُ أولئك المهمشو ن لحال سبيلهم ، بل هناك سياسة معتمدة ،تحاول الدولة من خلالها إدماجهم، في حين أن ضحايا الكحول السامة بمدينة القصر الكبير ،لم يحظوا حتى ببيان رسمي ،يوضح للمواطن حقيقة ما جرى .
إن هذه الظاهرة ،ستبقى و تدوم ،لأنها مرتبطة بجوانب نفسية ،اجتماعية ،اقتصادية و غيرها ،و لكن المقاربات الناجعة ،يجب أن ترى النور .
قضيت اليوم كله يغمرني الحزن ،و سكنتني صور بعض هؤلاء ” المشردين ” ، و أنا اتخيلهم يحتضرون بل و اسمع حشرجة موتهم و نهايتهم .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading