د . عبد السلام دخان
تحل اليوم ذكرى وفاة الروائي الرفيع نجيب محفوظ، هذا الصرح الشامخ لايحتاج إلى تذكير بمساره الإبداعي، لكون بصمته السردية لا تنمحي؛ هي جزء أساس من المتن السردي العربي الحديث، رحل عنا نجيب محفوظ في الثلاثين من شهر غشت عام 2006، بعد نحو 95 عاما من العطاء المتواصل في فن السرد( الرواية، القصة القصيرة، السيناريو)، بيد أن اعمال نجيب محفوظ ارتبطت ببنيات مهيمنة في تجربته السردية وبتعدد الأنساق المرتبطة بعوالمه السردية وممكناتها الدلالية، غير ان المظاهر الجمالية التي حفلت بها أعماله الروائية حجبتها لسنوات طوال قوة الموضوع ودلالته الاجتماعية، على نحو ما يرى فيصل دراج في كتابه” الشر والوجود فلسفة نجيب محفوظ الروائي” كاشفا المرجعيات الجمالية المساهمة في تشكل تجربة نجيب محفوظ وعلى نحو خاص الفرنسي أونوريه دو بلزاك ، والروسي فيودور دوستويفسكي، والألماني توماس مان.
انشغل نجيب محفوظ بأسئلة ترتبط بالميتافيزيقا، والكون والوطن والإنسان في أبعاده الدينية والمادية، واهتم وفق هذه الأنساق ببناء الشخصية الروائية، وبناء الفضاء السردي الروائي وبجماليات الرواية، و تشكيل المكان، على نحو خاص الحارة المصرية، ومعمارها الفني الخاص والأزقة الضيقة، ونوافذها، وابوابها، ومقاهيها بل حتى غرف النوم التي رصدها محفوظ بدقة في ملحمته الحرافيش. فضلا عن عنايته بالألوان وعلاقة شخوصه بالأمكنة الحميمة والمقدسة، فالزاوية الصوفية كانت تشغل موقع البؤرة الأساس في الحرافيش بوصفها المكان الآمن الذي يعود إليه عاشور الناجي ومن بعده ابنه البار شمس الدين ومن بعده سليمان وباقي نسل عاشور الناجي.
تأويلات إيديولوجية عديدة تنطوي على سوء فهم لهذه التجربة، واليوم- في تقديري- نحتاج إلى منظورات جديدة تنزاح عن الأحكام المسبقة، و تشيد حوارا نقديا مثمرا ( ينظر كتاب فيصل دراج السالف الذكر)، وحوارا إبداعيا ثريا( ينظر العمل الروائي ” المصري” للأديب المغربي الراحل محمد انقار). إبداعية نجيب محفوظ لاتحجب التجارب الروائية الرفيعة سواء في مصر أو في العالم العربي، لكن هل تقرا روايات نجيب محفوظ الآن؟
