Deprecated: Automatic conversion of false to array is deprecated in /homepages/4/d885985160/htdocs/ksar.es/wp-content/themes/amnews/includes/fonts.php on line 616

“الحذاقة الفنية في رواية “غضب” للروائي عبد الحميد الغرباوي”

30 أغسطس 2022

ذ . عبد العزيز أمزيان

قراءتي المنشورة بجريدة الاتحاد الاشتراكي، صفحة “الثقافة” لعدد الغد 30/08/2022. بعنوان “الحذاقة الفنية في رواية “غضب” للروائي عبد الحميد الغرباوي”
أضعها أمام القراء الكرام، ،جزيل الشكر وعميق الامتنان، للشاعرة والإعلامية البديعة حفيظة الفارسي على العناية والاهتمام، والشكر موصول لمن تيسر له الوقت للقراءة.
الخبرة الفنية في رواية “غضب” للروائي عبد الحميد الغرباوي
في حوزة المبدع عبد الحميد الغرباوي تسع روايات….
رواية “غضب” تعد الرواية التاسعة للروائي عبد الحميد الغرباوي، صدرت عن دار الوطن للطباعة والنشر، الرباط/ المغرب سنة 2020. تقع الرواية في ثماني ومائتين صفحة من الحجم المتوسط. مصدرة بإهداء خاص،
إلى سبطي رضا،
وحفيدي اليان سامي،
وحفيدتي الودي
والى من سيأتون بعدهم…
…غدا ص 5.
يلي الإهداء تنويها، يشير فيه الكاتب إلى
إلى أن اسم عمله الروائي، كان هو( بارازيت) لأكثر من أربع سنوات، وبعيد الإعلان عن فوز فلم بجائزة أوسكار لسنة 2019 ، الذي يحمل نفس العنوان، آثر أن يستبدله بعنوان آخر “غضب” على الرغم من أن فكرة الفلم تختلف بشكل مطلق عن فكرة الرواية. ص 7.
في الصفحة الموالية نطالع على مقتطفات دالة، لنصوص نقدية وشعرية، المقتطف الأول للناقد المعروف سعيد بنكراد، يشير فيه إلى أن ” ما يصوغه السرد ويشخصه، لا يمكن التصرف فيه أبدا، انه وجد لكي يقبله الناس باعتباره جزئيات من “حقيقة” تبنى في محكيات الحياة، لا في أحكام العلم الباردة” . المقتطف الثاني للروائي المشهور ماريو بارغاس يوسا، يذكر فيه أن الرواية لم توجد لتجعلنا نحلم بل لتوصف حالة الفوضى والخواء الذي يسود العالم….” المقتطف الثالث للشاعر العراقي الذائع الصيت مظفر النواب يلمح فيه أنه “ليس يملك إلا القميص الذي فوق جلده، وقلبه وراء القميص يلوح”. المقتطف الأخير للشاعر رضوان حلوان يومئ فيه إلى أنه ” من يتوهم أنه أخطأ في حقه، فليتوهم أيضا أنه اعتذر له” ص 09.
هي مقتطفات قصيرة، لكنها ذات عمق، ومعنى وإيحاء وغاية..
يتبع هذه الصفحة، استهلال وهي (تدوينة على حائط الصديق عطاء الأزمي في الفيسبوك ) كما يحيل الكاتب عبد الحميد الغرباوي إلى ذلك، في آخر الصفحة
وهي أشبه ما تكون، برسالة موجهة إلى الأحبة، يقول فيها [ سلام الله على أحبتي أينما كانوا، وبعد، فنعمة أخرى ومنة من الله عز وجل، أن التحقت ببيتي من المصحة سالما، بعد تدخل طبي بسيط، مع شكر خاص جدا للبروفسور ف. الحداد، الإنسان قبل أن يكون طبيبا وأستاذا.
والتدوينة (يتابع الصديق عطاء الأزمي) ليست أساسا للإخبار أو الإشهار، لكن للاعتبار. فلحظات قليلة، قبيل التخدير( الطبي طبها ههه) وبعيده، زدت تأكدا بأن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة، فلا نتعب أنفسنا باللهاث وراءها، وزدت يقينا بأننا أضعف مخلوقات الكون، فلا داعي للتكبر والتعجرف والغرور والحقد والضغينة والمكر والخديعة والغيبة والنميمة والبهتان واحتراف رذائل القول والفعل…
فقيمتك في أخلاقك والتزامك ومبادئك ومواقفك لا في مالك وحسبك ونسبك…بله في مناصبك ومراتبك الوهمية…أيها الإنسان …فكل من عليها فان…حتى إن طاولت في السماء ربك العنان، والسلام على من يعتبر قبل فوات الأوان.] ص 11.
في ص 13 و 14 و15. المعنون ب إلى القارئ …إلى القارئة. يشير الكاتب عبد الحميد الغرباوي في مستهلها أنه جاء في الصفحتين 71 و72 من كتاب “الروائي الساذج والحساس” لأورهان باموك الصادر عن منشورات الجمل، ترجمة ميادة خليلي، ما يلي:
وهو مقتطف على الجملة، يتضمن مقارنة بين الزمن الخطي المجرد كما وصفه أرسطو في كتابه ” الفيزياء” والزمن الشخصي للأبطال في الأنواع الخيالية الأخرى والقصص التاريخية والروايات التي صورت العالم من وجهة نظر الناس الذين يعيشون في داخله، من خلال تفاصيل أرواحهم، وإحساسهم. ويضيف الكاتب باموك “ولكن من أجل تحديد العلاقات بين الأبطال، نحن القراء، ما زلنا نحاول فهم الزمن المجرد الذي يشترك به الجميع في الرواية- خاصة عندما نقرأ روايات مزدحمة بالشخصيات”.
لن أطيل عليكم، وللمزيد من الاطلاع، أدعوكم إلى قراءة ” الروائي الساذج والحساس”، طبعا، بعد قراءة هذه الرواية..”
نفس الكلام،الذي ختم به الكاتب عبد الحميد الغرباوي، الصفحات المشار إليها آنفا، باستعمال ضمير المثنى، أستعيره باستعمال ضمير الجمع.
تجتذبك رواية “غضب”، بسلاسة أحداثها وتتابع وقائعها، التي اتسمت وضعية انطلاقها بالهدوء والسكون والاستقرار، تم فيها تقديم شخصية الرواية،” زيدان العامري”، الكاتب الشغوف بالسينما، والولوع بالموسيقى، السارد المتموقع في زاوية العارف بكل شيء، كما حدد فيها المكان، الذي جرت فيه الأحداث، وتحركت داخله الشخصيات، ألا وهو الدار البيضاء وهي مدينة تتسم بالانفتاح والشساعة، والتنوع، إذ سيكون لها دور مهم في تهيئة الجو الخاص للتلقي. سيما وأن مدينة الدار البيضاء تعتبر مركز استقطاب، ونقطة جذب.
تجتذبك الرواية كذلك من حيث أنها عمل ضخم، ضخم ليس من ناحية الحجم والكم، ولكن من ناحية الأدوات الفنية التي استعملت بحرفية دقيقة، والعناصر الجمالية التي وظفت بمهارة حاذقة، من بين هذه العناصر الخطاطة السردية التي انتظمت وفق بنية متسلسلة محكمة، وسارت طوع ترسيمة مضبوطة مترابطة، أكدت براعة الكاتب في خلق عوالم سردية، وتبثت مراسه في ابتداع أكوان تخييلية، وقد تشكلت بنية الرواية العامة من متواليات حكائية متتابعة منطقيا، تعاقبت بكيفية خطية، تخللتها تقنية الاسترجاع، التي استثمرها الكاتب في نسيج النص الحكائي، كتقنية فنية ضاغطة، تقود مجريات الأحداث، مع باقي أدوات النص الروائي الأخرى، إلى رسم خطوطها السردية، وهندسة معمارها الروائي، وبنائها الفني، بشكل يدفع القارئ إلى أن يتوهم بواقعيتها، وينساق في التماهي مع سياقات أحداثها، وملابسات وقائعها. وقد أشار إلى ذلك موبسان إذ أكد على أن النقلات الزمنية في النص الروائي من أهم التقنيات التي يستطيع الكاتب عن طريق إتقانها والتحكم فيها أن يعطي للقارئ التوهم بالحقيقة. وسأعرض في هذه الورقة المتواضعة، بعض مواضع الاسترجاع في الرواية، والغاية من استخدامها، باقتضاب شديد، ذلك لأن، الهدف هو أن نبرز بإشارات طفيفة، هذا المنحى الفني، الذي صيغ بإبداع من أتى موهبة، وسبك بتجديد من جاء استعدادا على متعة الحكي…

(الأربعاء 10 صباحا) من ص 18 إلى ص 28
استهلت أحداث الرواية على لسان الراوي “زيدان العامري” بالحديث عن فرحه بعثوره على تحفتين سينمائيتين ː الأولى فيلم بعنوان” كاليغولا” والثاني فيلم عند أحد الباعة داخل ركام المتلاشيات.« Hours » بعنوان
التحفة الفنية الأولى سيحتفظ بها لنفسه، والثانية لصديقه حمدان، الذي سيسعد كثيرا بها، حين يطلعه عليها..
-كان العثور على فيلم “كاليغولا” حدثا مهد لنمو الأحداث، وبعث من جهة على استرجاع ذكريات المراهقة ،(تقنية الاسترجاع) إذ شاهد الراوي الفيلم أول مرة صحبة مجموعة من الأصدقاء، في مرحلة المراهقة، إذ كان همهم هو الاستمتاع بالمشاهد الايروتيكية والبورنوغرافية. وقد شهدت هذه المرحلة كثير من الاستمتاع والمتعة والإثارة والضحك، خاصة في موضوعة التفريغ في أوطيل سان ديي مع صديقه حمدان، التي حكى فيها السارد بعض ما صادفه من أحداث خارقة مهيجة.
أما المرة الثانية، فكانت في بيت حمدان. شاهد السارد و صديقه حمدان الفيلم، والحنين يجذبهما إلى الماضي، مركزين الاهتمام أكثر على المواقف السياسية التي أشار السادر إلى بعضها باقتضاب شديد، لكن بعمق ووعي….(تقنية الاسترجاع)
تذكر السارد حين عثر على فيلم……يوم أخبره صديقه حمدان بضياع هذا الفيلم من خزانة أفلامه، الزاخرة بالنادر منها، وبأفلام المؤلفين والمخرجين العالميين الكبار….(تقنية الاسترجاع)
(الحادية عشر صباحا) من ص 51 إلى ص 58.
حين أتى السارد في خضم سيرورات التحول، وتطورات الأحداث للكلام عن سيناريو فيلم قصير، يعكس واقع حال شريحة من المجتمع من خلال شخصية امرأة تعيش على التسول،عانى السارد كثيرا في كتاباته حتى كادت رئتاه تتحولان إلى ورقتي خريف ذابلتين من كثرة التدخين..استرجع السارد سلسلة من الوقائع المرتبطة بحياته الماضية..”آخر تعديل أجريته على السيناريو كان على متن الباخرة أثناء عودتي الأخيرة إلى المغرب..” ص53.
“في صغري حلمت أني أملك جناحين، أطير، أحلق عاليا، وحلمت أني سمكة تغوص عميقا في الماء.” ص 53.
“أول مرة ركبت الطائرة متوجها إلى فرنسا، أحسست بانتشاء غريب وبحلم الطفولة يتحقق، كنت كمن يملك جناحين ضخمين قويين أحلق بهما عاليا فوق السحب، وأخترق بهما كتل الضباب، إلا تعرض الطائرات، خلال السنوات الأخيرة، للعمليات الإرهابية، وتكرار سقوطها جراء الأعطاب التقنية، أصابني برهاب العلو، فأحجمت عن ركوب الطائرة..” ص54.
“اعتذرت عن مشاركات في لقاءات وأسابيع ثقافية لأكثر من جهة في الوطن العربي، لانعدام وسيلة برية تحملني إلى وهران أو صفاقس أو القاهرة، علما أن هذه المدن تقع على أرض واحدة…” نفس ص.
“وهكذا تحقق حلم الطفولة الثاني، عندما قطعت الأبيض المتوسط سباحة..أعني على متن سفينة..” ص 55.
“في أول مرة ركبت فيها سفينة، تعجبت للأطنان التي تحمل في بطنها، ولمئات المسافرين، ولعشرات المحال التجارية، والمطاعم والمشارب الكبيرة والممرات الطويلة والسلالم النظيفة الشديدة اللمعان المؤدية إلى الطبقات العليا…” ص 55.
“في آخر مرة، وهي الثانية لي على ظهر سفينة، أحسست بدوخة خفيفة، لكني تجاهلتها، وأسرعت الى فتح حقيبة صغيرة أخرجت منها الكراسة التي دونت فيها سيناريو الفيلم القصير، كنت أتممته وشرعت في مراجعته وتنقيحه، رغم أني لم أكن راضيا كل الرضى عليه، فأنا لست محترف سيناريوهات، إلا أن “رغبتي في تجريب شكل جديد من أشكال الكتابة، حفزتني على خوض غمار الكتابة السينمائية…..” ص57.
“كنت قررت، بعد عودتي إلى الدار البيضاء بأيام قليلة، أن أضع مسافة بيني وبين كثير من الأدباء والمثقفين…..” ص58.
الحادية عشر ونصف
في الجزء الثاني الخاص بهذا المقطع يسترجع السارد جانبا كبيرا من حياة صديقه حمدان، الذي ناضل وكافح وتفانى وأخلص في خدمة الطبقة العاملة، وشارك في وقفات احتجاجية واعتصامات دفاعا عن حقوقهم، وقد اعتقل بسبب ذلك أثناء سنوات الرصاص،” سيخرج حمدان من السجن بعد أن استوفى مدة الحكم كاملة…
خرج حمدان، يحمل معه مرضا مزمنا، وتصورا جديدا للإنسان والحياة، وموقفا من الأحزاب والمنظمات، وصدمة عاطفية أشيه بجرح قديم، فالتي أحبها وأحبته، بعد مرور عام على اعتقاله، تزوجت من قريب يعيش في ألمانيا.” ص 75.
هذه بعض مواضع الاسترجاع، اقتصرنا على ذكر بعضها ، إذ وقفنا عن ما يزيد عن ثلث الرواية، بهدف التدليل على حسن استخدامها، في النص الروائي كتقنية فنية مهمة، تجعل المتلقي يتتبع تفاصيل حياة البطل، ويتماهى مع الأحداث الغنية التي عاشها، والوقائع الخصبة التي مر منها، في جميع مراحله العمرية، وتجعله أيضا يكون صورة واضحة، عن كثير من جوانب شخصيته النفسية والاجتماعية والفنية والثقافية والفكرية، فقد نجح السرد والاسترجاع في أن يجعل المتلقي،يندمج في أجواء الرواية، التي تحكي عن زيدان العامري، الكاتب الشغوف بالقراءة، والمولع بالمجال السينمائي، والمجال الموسيقي، والمجال الفكري والثقافي والاجتماعي، والديني، وغيرها من المجالات التي لها علاقة بتطور المجتمع، وتقدمه في نواحي الحياة العامة.
تظل رواية “غضب” للروائي الصرح عبد الحميد الغرباوي رواية مثيرة، وفاتنة بحبكتها الفنية المتماسكة، وشخصياتها المتنوعة القوية، وسردها السلس الممتع، ووصفها الدقيق الشيق، وحواراتها الرصينة الهادفة، وأحداثها الجذابة المغرية، وعوالمها الباذخة الفاخرة، واسترجعاتها المترابطة المتعاقبة، ولغتها الجميلة الأنيقة، وأسلوبها اللافت المتدفق، فضلا عن واقعيتها المدهشة، التي تنبض بالحياة، وتخفق بالدم الفائر، كما لو كانت تحدث قبالتك، لحظة التلقي، بكل عنفوانها الزاخرة بكل ألوان الحلم، وحدتها المفعمة بكل أشكال السفر البعيد في الأكوان والأزمان ….
عبد العزيز أمزيان

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading