محمد الجباري
بعد أكثر من خمس وعشرين سنة في المهجر عدت أول أمس إلى أرض الوطن
شعرت فجأة وكأني استيقظ من حلم دام ربع قرن، وبأني مازلت ذاك الشاب المشاغب الذي كان يعشق في اليوم الواحد مرتين…
عبثا بحثت في سوق الخردة عن آلة كاسيت لكي أشغّل عليها شريط “قارئة الفنجان” وجدته داخل دولابي بالمنزل العتيق.
في الصباح الباكر جدا لم أجد الحافلة التي كانت تتجه إلى تطوان الساعة الخامسة فانتظرت ساعتين…
عجبا تغير شكل الحافلة كما تغير السائق والكريسون إلا عبير تطوان، كنت أستنشقه وما زلت وأنا على بعد آلاف الأمتار….
تطوان القابعة في حضن الجبل أضحى طريقها الوعر على عجلات الحافلة أسهل وأيسر…
بينما المنعرجات المنحوتة في تضاريس القلب جعل السبيل لوصولها أصعب وأطول..
صرت وأنا وسط تطوان تائها مطاردا تتعقبني الذاكرة حيث ما حللت وارتحلت..
قرب رياض العشاق بصرت مخدعا هاتفيا قاوم زحف الحضارة والهاتف الذكي والواتساب
ولجت المخدع وسحبت دراهمي ورميتها في جوف الهاتف كما كنت أفعل قرابة ربع قرن
وأنا أحمل سماعة الهاتف كان ارتعاش القلب على إيقاع رنين الهاتف أسمعه يرن الآن في فضاء المنزل
– إلو
لم يرد أحد، فقط أنفاس متقطعة كنت أسمعها من الجهة الأخرى، ومرت فترة من الصمت، ثم كررت
– ألو ، ألو
قبل أن أضع السماعة سمعت صوتها رخيما رقيقا كما خبرته دوما
– ألو، الحمد لله على السلامة، نبرة صوتك لم تتغير أبدا
– وصوتكِ أيضا
صمتنا بعض الوقت، لم ندر كيف صرنا وسط زحمة الكلام نتسابق على الحكي، أضحى صوتنا يرتفع ونحن نجتر ذكريات من الماضي ونعرج تارة على الحاضر أخبرتني أن طفلها الذي سمته على اسمي قد تخرج من الجامعة وأن ابنتها مصرة على أن تكمل دراستها في ألمانيا وأنها تستمتع الان بالتقاعد النسبي.
لم يكن يعكر صفو حديثنا إلا زحمة من الناس صارت تتجمهر حول مخدع الهاتف، سمعت أحدهم يعلق ساخرا ” المخدع معطل من منذ زمن طويل و خارج الخدمة ”
عدت أدراجي إلى المحطة لم أدر من أوحى لصاحب الحافلة أن يشغل كاسيت قارئة الفنجان، ونحن نغادر تطوان كان عبد الحليم يغني “ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان وستسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن …..