Deprecated: Automatic conversion of false to array is deprecated in /homepages/4/d885985160/htdocs/ksar.es/wp-content/themes/amnews/includes/fonts.php on line 616

أسطورة “وادي المخازن”: لا ملائكة ولا شياطين

8 أغسطس 2022

 الباحث والكاتب المغربي جمال بودومة

.التاريخ يكتبه المنتصرون. ومن يؤلفون المقررات الدراسية يفكرون في الحاضر، عند صياغة احداث الماضي، لذلك يضخمون أشياء، ويسكتون عن أخرى، ويذهبون مباشرة الى الخلاصات، التي تكون مختزلة لا تعكس جوهر ما حدث، لان الحقيقة معقدة في غالب الأحيان، وتختبئ في التفاصيل. استيعاب ما جرى يبدأ عندما تتوسع زاوية النظر، ونتأمل المشهد من جميع الجهات، وننصت إلى كل الروايات، حينها نكتشف أن الأمور اكثر تعقيدا مما درسناه في حصص التاريخ.

في مثل هذا اليوم، 4 غشت 1578، دارت احدى اشهر المعارك في تاريخ المغرب: “وادي المخازن”، التي سميت ايضا ب”معركة الملوك الثلاثة”، لانها قضت على ثلاثة ملوك، عبد الملك والمتوكل وحلفيه دون سيباستيان.

الرواية الرسمية تقدم المتوكل كأشهر “خائن” في تاريخ المغرب، لانه استنجد بالبرتغاليين في مواجهة عمّيه، عبد الملك المعتصم واحمد المنصور، ومات في المعركة، قبل ان يسلخ جلده ويُحْشى بالتبن، ويطاف به عبر ربوع البلاد، ويشتهر في كتب التاريخ بلقب “المسلوخ”.

لكن، عندما نتأمل المشهد من مختلف جوانبه، نكتشف أن “المسلوخ” لم يكن شيطانا، وعبد الملك لم يكن ملاكا، لا هو ولا اخوه أحمد. المحرك الرئيسي للاحداث هو الصراع على السلطة، لكن مشكلة المتوكل انه وُجِد في الجهة الخطإ من التاريخ، فيما وقف المعتصم والمنصور في الجهة المضيئة، واحتكروا كل النياشين.

في النصف الثاني من القرن السادس عشر، كانت امبراطوريتان تصنعان المطر والجو المشمس في العالم: تركيا والبرتغال. كل واحدة تسعى الى توسيع نفوذها على اكبر رقعة من الخريطة. بحكم الجغرافيا وجد المغرب نفسه بين كماشتين، في الشمال تضغط عليه البرتغال وحليفتها اسبانيا، ومن الشرق يحاول العثمانيون إكمال سيطرتهم على المغرب الكبير، بعد ان أخضعوا ليبيا وتونس والجزائر، وبات وصولهم إلى فاس مسألة وقت، ليس إلا.

السلطان محمد الشيخ -جدّ المتوكل ووالد المعتصم والمنصور- دفع غاليا ثمن تحديه للأتراك. بمجرد ما استتب ملكه، بعث اليه سليمان القانوني رسولًا يهنئه، ويطلب منه ان يدعو له في المنابر، كما كان يفعل الوطاسيون، لكنه ردّ عليه بما معناه: “سير تنبگ”، ووصفه ب “سلطان الحواتة”، لأن قوته تتركز في اسطوله البحري، دون ان يقدر العواقب.
سليمان القانوني -الذي وصل نفوذه الى أبواب فيينا- فقد اعصابه، وقرر تجهيز جيش عرمرم لتأديب السلطان المغربي، قبل ان يقنعه بعض مستشاريه بخطة اخرى أقل تكلفة. هكذا أرسل كتيبة من الجواسيس، استطاعوا التوغل في البلاط وكسب ثقة السلطان، وفي 23 اكتوبر 1557، غافلوه وقطعوا رأسه، قبل ان يحملوا “الغنيمة” الى سليمان القانوني. وبقيت رأس محمد الشيخ معلقة لسنوات على باب “القلعة” في القسطنطينية، مثل تحفة ثمينة.

بعد اغتيال محمد الشيخ، خلفه ابنه الغالب بالله، والد المتوكل. الغريب ان اخويه عبد الملك المعتصم وأحمد المنصور، اللذين كانا يقيمان في سجلماسة، غادرا المغرب الى تركيا للعيش في كنف قاتل والديهما، حيث وضع عبد الملك نفسه في خدمة سليمان القانوني وتطوع للقتال في الجيش التركي. كل ذلك طمعا في انتزاع الملك من اخيه، الغالب بالله، الذي توفي مستهل 1574 وترك العرش لابنه المتوكل.
في مارس 1576، استعان عبد الملك والمنصور بالاتراك، وشنا هجوما واسعا على ابن اخيهما في فاس، مما اضطر الاخير الى الهروب لمراكش ثم طنجة قبل ان يستنجد بالبرتغاليين من اجل لحفاظ على ملكه، كما فعل كثيرون قبله. والبقية تعرفونها…

لو طبقنا المعيار الاخلاقي في قراءة التاريخ، لاكتشفنا ان عبد الملك كان نذلا حقيقيا. انه اقل وصف يمكن ان نطلقه على رجل وضع نفسه طواعية في خدمة مَن اغتال والده، واستعان به كي يسقط السلطان الشرعي. المتوكّل لم يكن ملاكا، لكنه ليس اول سلطان يستعين بالاجنبي (الكافر) كي يحافظ على ملكه، بعضهم فعلها ومع ذلك يتبوأ مكانة مرموقة في التاريخ. مشكلة المتوكل أنه انهزم، لذلك شُوِّهت سمعته كما شوهت جثته، فيما انتصر عبد الملك والمنصور، لذلك نسي الجميع انهما استعانا بقاتل والديهما كي يسقطا ملكا شرعيا في فاس. التاريخ يكتبه المنتصرون!”

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading