بقلم :أمينة بنونة
بقدر ما تمتاز مدينة القصر الكبير بالعلماء والأدباء، امتازت أيضا بفنانين تشكيليين من الطراز العالمي، مثل محمد أطاع الله والمختار غيلان وشفيق الزكاري وغيرهم، وبينهم المرحوم علي نخشى، اذ يعد من رواد الحركة التشكيلية بالقصر الكبير، أولع بالريشة والألوان منذ صغره، وتشبع بالأصالة التي كانت تحيط به، فهو ينتمي إلى أسرة عريقة بمدينة القصر الكبير، عرفت بالعلم والدين وحبها للفنون. درس في القصر الكبير، ثم التحق بمدرسة الفنون الجميلة في تطوان، وتتلمذ على يد الفنان الغرناطي ماريانو بيرطوشيMariano Bertuchi ، مما عمق في قريحته الطريقة الكلاسكية، ثم التحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بمدريد (إسبانيا)، حيث درس سنتين، لينتقل بعدها إلى الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة “سانطا ايسابيل دي هونكريا”Santa Isabel de Hungria في إشبيلية، لمدة سنتين أيضا، عاد بعد ذلك إلى مدرسة “سان فرناندو”San Fernando بمدريد، وتخرج منها بعد 3 سنوات حاصلا على دبلوم الأستاذية في الرسم.
درس أيضا الحفر Graveurبمدرسة سان فرناندو، كما درس الطباعة والحفر lithographie بمدريد. أيضا مر بتكوين جيد في متحف اللوفر Louvre بفرنسا، وآخر في المتحف البريطاني، وفي الرواق الوطني للفنون الجميلة بلندن، إنجلترا.
شارك في عدة معارض داخل الوطن وخارجه؛ أهمها معرض أقامه في مسرح محمد الخامس بالرباط، وحضره الأمير مولاي رشيد، ومعرض بأوطيل المنزه بطنجة، ودشنته الأميرة فاطمة الزهراء العزيزية. بعد عودته إلى تطوان عمل أستاذا بالمعهد العالي للفنون الجميلة، حيث قام بتدريس تاريخ الفن و” “la perspective تقلد بعد ذلك منصب مدير مدرسة الصنائع والفنون الوطنية، بنفس المكان الذي عمل به أستاذه ماريانو بيرطوشي.
وفي هذا الباب نقرأ في كتاب (أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث: ملامح حياة_مقاطع من نصوص)، الجزء الثالث، للكاتب الأستاذ محمد العربي العسري :
((اعمال الفنان علي نخشى بعيون الشاعر حسن الطريبق
قام الشاعر حسن الطريبق بقراءة للوحات المعرض الذي أقامه علي نخشى (المعرض الذي احتضنه مسرح محمد الخامس بالرباط من 4 إلى 15 ماي 1978 ، تحت إشراف وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية ).. ومما قاله في حقه: فنان أصيل يتوفر على عدة كمالات فنية تؤهله ليعبر برسومه عن كثير من الحالات والمواقف بألوان متجانسة يعرف كيف يخضعها لسلطان فنه باقتدار وحسن مأتى.
لقد مر هذا الفنان بمراحل متباينة جعلته يستقي عناصر تجربته من عدة منابع فبعد أن عاش مرحلة التقفي والاتباع والمحاكاة والتقليد، خلال بداية صحوته، انتقل إلى مرحلة التأكيد على تميزه، وإن شخوصه في لوحاته الأخيرة تعطي هذه الحقيقة.
لوحاته تحمل مضامين ثرة النبع، تتجاور فيها الألوان_كل الألوان وتتناسق بصورة لافتة للنظر.)) (ص. 453).
وقد كانت للمرحوم علي نخشى، أنشطة متنوعة في مجالات متعددة، تقول عنها ابنته محاسن علي نخشى، على صفحتها الفيسبوكية، بمقال تحت عنوان (المدرسة الطبيعية للفنان الرائد علي نخشى):
((وكانت له نشاطات متعددة في المجالات الفكرية الاجتماعية والثقافية. من الأعضاء المؤسسين للجمعية الوطنية الأولى للفنون الجميلة وعضوا في اللجنة التنفيذية، عضو في الهيئة المغربية للشطرنج. عرضت عليه عدة جمعيات العضوية، كجمعية تطاون اسمير، لكنه اعتذر لالتزاماته آنذاك. شارك في عدة بطولات للشطرنج داخل المغرب وخارجه وحصل على عدة جوائز وكؤوس من بينها: “كأس الفقيد عبد الخالق الطريس” التي سلمه إياها : ” علال الفاسي”.
توجد لوحاته داخل المغرب: بالقصر الملكي (حيث أهدى بعض لوحاته للملك الراحل: الحسن الثاني) وبكل من طنجة، القصر الكبير، تطوان، العرايش، الرباط والدار البيضاء. كما يوجد بعضها خارج المغرب: باشبيلية، مدريد، بروكسل ولندن.
نشر رأيه عن قيمة الفنون، في مقال له يعود إلى أكثر من نصف قرن: ” لئن كانت الفنون الجميلة من الأشياء التي يهفوا إليها الذوق البشري منذ بدء الخلقية إلى يومنا هذا، فمن حق هذه الفنون علينا أن نبدع فيها إبداعا يتماشى مع الخيال الذي يخطو خطوة، مع موكب التقدم، في وسط من أوساط الجمال- في اعتقادي- ليست طاقته الحماسية التي يستمد منها قدرة وجوده، غير الواقع الطبيعي”.
وبالنسبة للاتجاه الرمزي، كان يعتبر الرمزية في الرسم مقصورة على فئة من الفنانين فيما بينهم، ولا يجب تقديمها للجمهور الذي لا يستطيع فهمها كما حاله مع ” لغات الطيور”. ويعتقد أن المغرب لازال في حاجة إلى الاتجاه الطبيعي في الرسم، لأن أغلب الرسامين يرتمون في أحضان الرمزية وهم أشد حاجة إلى رسم الطبيعية الواقعية في بيئتنا ومجتمعنا. )).
أما عن مدرسته التي نهجها في لوحاته المتنوعة، فقد حددها الفنان والناقد محمد الشاوي، في ريادة التشكيلي علي نخشى للواقعية المحدثة بمدرسة تطوان.
وللمرحوم علي نخشى كتاب سردي سيرى النور قريبا، إذ أنه كتب السيرة الذاتية للعلامة شقيقه القاضي محمد نخشى.
وقد توفي الرسام والرائد التشكيلي علي نخشى، في مدينة تطوان ودفن بها، تغمده الله برحمته.