ذ – عبد المالك العسري :
الأستاذ حسن والأستاذ الخمار الكنوني قرينان، حصل أن اجتازا معا سنة 1954 امتحان الشهادة الابتدائية، وطلعت النتيجة، فكان الترتيب الأول للخمار وبعده في الرتبة الثانية جاء اسم الطريبق، ولم يقبل حسن تلك النتيجة ويقول للخمار مازحا أو جاداً الحقيقة هي أنا الأول وأنت الثاني، وقدموك علي لأن والدك مدير المدرسة. وهذه الحادثة كان حسن كلما أراد أن ينكث ويضحك يذكر الخمار بها، رواها في شبابه وكهولته وإلى الآن كلما تحدثنا عن علاقتهما يذكرها لنا حسن وهو يضحك لأنه يعرف جيدا أن أعصاب الخمار كانت لا تتحمل.
وسيرة الشاعرين وتنافسهما بدأت وهما طفلان، بدأت في ما كان يشغلهما زمنئذ من أمور تخص عالم الطفولة وانتقلت إلى ميدان المنافسة حول من هو الأشعر من الآخر. وحدث أن سافر الخمار للقاهرة لتهيئ الثانوية العامة أي الباكالوريا، وكان يبعث ما جد عنده من شعر إلى مجلة دعوة الحق التي كانت في ذلك الوقت مجلة المثقفين بامتياز. ونشرت له المجلة قصيدة موقعة باسمه، والقاهرة مكان تواجده، وكنا نحن ثلة من الأصدقاء كلما أردنا أن نثير حفيظة ذ/ حسن نذكره بهذا ونقول له قصيدة الخمار المنشورة بدعوة الحق “فرعت الطرح” فيعلق حسن بهزله المعروف، “أش من طرح فرعت ديال الضامة أو ذيال خريبكة”. وهكذا كان الهزل والمزاح والمرح عموما عندنا شأن ثقافي أو ما له علاقة به.
والواقع أن حسن والخمار ثنائي فريد من نوعه كانا يبحثان عن بعضهما إذا غاب أحدهما، وبمجرد ما يدخل الخمار القصر قادما من فاس أو الرباط إلا ويسأل عن حسن هل هو هنا، وإذا لم يجده يقصد العرائش ليأتي به، فحسن هو قائد الجوقة وبدونه لا تحلو الجلسة.
وبين الصديقيـــن فوارق ملموسة فحسن ليست له حدود مع الناس هو مــــع الجميع يضحك ينكت يتكلم جديا أو هزليا فـــــلا يهمه، خــــلاف ذ/ الخمار له حدود وخطوط حمراء، وإن كانت طيبوبته لا تناقش وهزله رائع وجميل وخاصة إذا كان موضوعه هو حسن.
وشباب القصر خاصة الطبقة المثقفة متتبعة لشعرهما وإصداراتهما. فالشاعران يكونان ثنائيا متناغما وربما لقبوا الخمار بأبي تمام القصر وحسن بحتريه. وإذا كان هذا الوصف غير دقيق لأنه طبعا صدر عن غير المختصين فإنه لا يخلو وجاهة. ولعل وجه الشبه بينهما هو أن الشاعرين العربيين أبا تمام والبحتري كلاهما من سوريا، أبو تمام من الجنوب: درعاء والسويداء، والبحتري من منبج بشمال معرة النعمان، فهما إذا شاعران شاميان سوريان غير أن شاعريتهما وشعرهما مختلف، كذلك هو الحال بين حسن والخمار كلاهما من القصر الكبير. غير أن الخمار من باب الواد وحسن من الشريعة. كما أن شعرهما يعكس مدرستين متباينتين مختلفتين، كل واتجاهه ووسائل تعبيره، فالمدرسة التي ينتمي إليها حسن تعتمد على أسس مدرسة عمود الشعر العربي الكلاسيكي، والتناول المباشر للموضوع، مع اعتماد الصورة الشعرية المتوارثة عن جهابذة القصيد العربي وفطاحله. والأخرى تعتمد على رؤية مخالفة للأولى ومن أدواتها استعمال الأسطورة، والتعبير غير مباشر عن المعاني، ويحتاج القارئ إلى قراءة التراث الإنساني وهضمه حتى يدرك الأبعاد التي يرمي إليها الشاعر، فالإكثار من استعمال الرموز هو ديدن القصيدة الحديثة أو الحداثية. وهذا الاتجاه هو ما يميز شعر الخمار وكان في هذه التوجه متأثرا ولا شك بشعر أقطاب الحداثة ت. س اليوت، وأركون، ولوركا وبدر شاكر السياب ودنقل وغيرهم. فالانفتاح على الأدب الغربي جاء نتيجة ويلات الحرب العالمية، حيث أصبحت نزعة الخوف والموت والتوجس تسيطر على الشاعر سيما إذا كان يشكو من مرض، فالقلق والخوف من النهاية هو الــفرس التي يركب عليها الشاعر الحداثي. والحالة النفسية هي التي تلعب الدور الأساسي، وتوجه الشاعر إلى أن يبدع في تصوير ظلاميته، فيأتي شعره معبرا عن نفسيته ونفسية كل خائف مثله
شعر حسن الطريبق يختلف عن شعر خليله الخمار إنه ينتمي إلى جماعة تطوان وهم محمد عبد السلام البقالي محمد الخباز ومحمد البوعناني والمهدي زريوح محمد الغربي ومحمد الطنجاوي وغيرهم، كانوا طلبة بالمعهد الرسمي وتتلمذوا على أستاذ شاعر ولغوي وعالم كبير هو الأستاذ إبراهيم الإلغي الأخ الشقيق لمحمد المختار السوسي الشاعر والعالم والسياسي والوطني الغيور. فمنه أخذوا وتعلموا وأتقنوا فن القريض. فالأستاذ الإلغي هو الذي حبب الشعر لحسن الطريبق وزملائه الآخرين، وكلهم شعراء مطبوعون يعتبرون جميعا من شعراء المغرب الكبار، ومن يجحد في شعر وشاعرية حسن فهو ظالم ومنكر للحقيقة والواقع فحسن يقطر شعرا.
المرحوم :احمد الهلالي (الكتابة في زمن الجائحة خواطر وذكريات )