Deprecated: Automatic conversion of false to array is deprecated in /homepages/4/d885985160/htdocs/ksar.es/wp-content/themes/amnews/includes/fonts.php on line 616

الطفلة التي كنتها ذ. سميا دكالي

19 أبريل 2022

سلسلة رمضانية تعدها الإعلامية أمينة بنونة

ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتابا وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية.
************************
رغم مرور كل تلك السنين، وتوالي الأحداث تلك التي أسعدتني والأخرى التي تركت في قلبي بصمة بسبب أشياء أحزنتني إلا أني ما نسيت مرحلة من مراحل حياتي كانت المهمة ألا وهي طفولتي لأنها تظل الأسمى والأنقى والأرسخ في الذاكرة، كلما انتابني الحنين إلى الماضي ألتفت إليه لأنبش فيه فأستعرض طفولتي تلك التي كنت أنا حينها، لم يكن يتطلب مني ذلك جهدا لأتذكر لأني كبرت وتلك الطفلة معي ترافقني في كل مرحلة من مراحل حياتي، لقد كانت طفلة بريئة حين كان يطرق الحزن باب قلبها تلجأ هاربة تبحث في كل الأركان عن أمنيات طفلة بسيطة عاشت وهي تفتش عنها.
منبتي كان في تلك المدينة التاريخية “القصرالكبير” هي مدينة عريقة تعاقبت عليها حضارات مختلفة تاركة آثارا مازالت شاهدة على ذلك ، دروبها الضيقة الملتوية التي كثيرا ماتهت فيها وتصميم بناياتها العتيقة الآيلة للسقوط إلا أنه غالبا ما كانت زيارتي لها لا تستغرق سوى أسبوعا أو أكثر بقليل ويكون ذلك في الغالب صيفا ، فقد كان أبي كطائر فينيقي ما مكث في مدينة مدة طويلة، لأنه كان يهوى التنقل كلما ملّ من مكان إلا وطار بحثا عن ملجأ آخر له لعلّه يجد فيه الملاذ إلى أن تقاعد عن العمل فاستقر في تلك المدينة، لتجدني عدت إليها وكأنني ما كنت فيها ، لا أعرف فيها أحدا سوى عائلتي الكبيرة لكن لم يكن مقامي فيها كثيرا ، قضيت سنتين فقط ومن تم الى تطوان.
أتذكر تلك الأيام وكأنها البارحة حين كان أحد أعمامي يستعد للزفاف تجد كل أفراد العائلة تسارع لعقد اجتماع عند جدتي لأبي قصد القيام بالاستعدادات اللازمة بما فيها إعداد أصناف الحلويات وتحضيرات أخرى دون أن ينسوا الفقاص الذي لايكتمل به عرس حتى يكون حاضرا على مائدة المدعوين وقد وُضع في كيس مع الحلويات بعد أن تم تقسيم ذلك حسب العدد ، كل ذلك كان يُخصص له مكان في غرفة على سطح البيت يُطلق عليها ” المصرية” حيث فيها يبيت الفقاص على قطع من الأثواب يختمر قبل أن يذهبوا به الى فرن الحي، لقد كنت أحضر وأسرتي الصغيرة تلك الأعراس مرة كل سنتين أو ثلاثةزفي بيت جدتي الذي كان محط الأعراس وإقامة حفلات العقيقة أو الختان لعائلتنا الكبيرة.
لقد كان بيت العائلة في حي يدعى “المرس” بالمدينة القديمة قرب المسجد الكبير، في ذاك البيت كبر أبي وأعمامي وعماتي، كما احتوتنا جدتي نحن أحفادها، لقد كانت رحمها الله اليد الحنونة التي لا ينبض قلبها من العطاء كشجرة مثمرة، مابخلت علينا بالحب والحنان رحيلها ترك فقدا كبيرا.
لم تعد تتجمع العائلة التي تفرقت، فكل واحد من أفرادها أخذته الحياة وكأنهم ما كانوا مع بعض في يوم من الأيام.
ما يعزيني الآن هو أن بيت جدتي لم يغلق ، مازال بابه مفتوحا، تسكن فيه أختي التي ربتها جدتي كلما اشتقت لمسقط رأسي أسافر عندها، المكان ظل كما كان لم يتغير منه شيئا ، فقط الزمن الذي قطع بنا سنينا عددا أحدث تغييرا في الحياة وعلى من كانوا يقطنون فيه، أحيا الآن حاضري والماضي ورائي فيه تتراءى لي صورة تلك الطفلة التي كنتها عندما كانت تتنقل في ذاك المكان.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading