أفكر بصوت عال : الزلزال

12 سبتمبر 2021

ذ : إدريس حيدر

لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع السقوط المدوي ل ” حزب العدالة و التنمية ” في استحقاقات : 08|09|2021.
فقد تراجع الحضور البرلماني لهذا الحزب ب10 مرة أقل، حيث كان يتوفر على 125 مقعدا برلمانيا في انتخابات 2016 ، و هوى إلى 13 مقعدا ،و أغلب الفائزات حصلن على مقاعدهن عن طريق اللوائح الجهوية و بالقاسم الانتخابي ،الذي كان هذا الحزب يحاربه .
فهل هذه النتيجة / المحرقة ،كانت مفاجأة؟
للجواب على هذا السؤال ،لابد من العودة إلى السياق التاريخي الذي تسلم فيه حزب العدالة و التنمية مقاليد الحكومة .
يتذكر الجميع أنه غداة ما اصطلح عليه ب ” الربيع العربي “، ظهرت في المغرب ” حركة 20 فبراير ” التي طالبت بوضع حد للفساد و الريع ،توزيع ثروة البلاد بشكل عادل و أخيرا رفعت شعار : الملكية البرلمانية.
عقب ذلك توجه الملك بخطاب إلى الشعب بتاريخ : 09|03|2011 ، و كانت مضامينه تتجاوب مع الشعارات و المطالب التي رفعتها حركة : 20 فبراير.
و هكذا تم وضع دستور جديد و قام بحل البرلمان و تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.
اكتسح “حزب العدالة و التنمية” آنذاك مقاعد البرلمان و المجالس الحضارية و الجهوية مستغلا السياق العام الذي شهدته المنطقة و هو صعود الحركات الإسلاموية للسلطة.
و بالمناسبة ف” حزب العدالة و التنمية ” ناهض ” حركة 20 فبراير ” ،إلا أنه كان المستفيد الأول من نضالاتها .
و هكذا ساس الحزب البلاد قرابة 10 سنوات أي عقد من الزمان.
و يقينا فإن هذه النكسة تجد أسبابها داخل الجسم الحزبي و في السياق الجيو استراتيجي و السياسي للمنطقة .
فقد عُرف الحزب بقوته التنظيمه و هيكلته المتينة و العقلانية ،كما أن قادته كانوا جميعهم من المغرب العميق ،و بدون شبهة و ذوو خلفية إسلاموية .
و مع مرور الوقت بدأ الحزب يتآكل من الداخل بسبب الخلافات و الإقصاءات و الحلقات ، كما حصل التدافع من أجل منافع : الكراسي ،المواقع و الدواوين .
و انتهت بالشرخ الذي أحدثته إقالة زعيمه ” عبد الإله بنكيران ” بشكل مهين ،و استمرار صحبه في تحمل المسؤولية الحكومية .
و لابد هنا للمرء ، أن يستحضر المطبات و الأخطاء التي وقع فيها هذا الحزب أثناء ممارسته لمسؤولياته الحكومية و منها:
1- الاحتقان الداخلي الذي كان سببا في انسحاب بعض الأطر الكفأة .
2- تمرير قرارات و قوانين حكومية خطيرة و حساسة : التقاعد ،التعاقد ،الإضراب …الخ ، و التضييق على حرية الصحافة و الإشراف على محاكمة نشطاء الريف ،جرادة…الخ.
3- سوء تدبير جائحة ” كورونا ” بل الغياب الكلي للحكومة التي يرأسها الحزب ،ذلك أنها كانت تُدَارُ خارج أسوار مقر الحكومة.
3- التفريط في مبادئ و شعارات ترتبط بما يسمى ب” القضايا القومية “،و ذلك عند استقبال ممثلي إسرائيل و توقيع اتفاقات معهم من طرف السيد ” سعد الدين العثماني ” رئيس الحكومة و الأمين العام ل ” حزب العدالة و التنمية ” ذو التوجه الإسلاموي.
4- الفضائح الأخلاقية التي زكمت الأنوف و المرتكبة من طرف قادة الحزب ووزراء في الحكومة و أعضاء في البرلمان.
5- التخلي تقريبا عن العمل التطوعي و سياسة القرب التي كانت سبيلا لانتصاراته .
6- الخطاب المزدوج الذي نهجه قادة الحزب ،و الذي جعل أغلب المواطنين ينفرون منهم ،و هنا استحضر تدخل السيد ” عبد الإله بنكيران ” في البرلمان مطالبا بترشيد الإنفاق في المال العام ،حيث استند إلى قول الفاروق ” عمر “:
” غرغري أو لا تغرغري…”
في حين أنه يتقاضى 70000 درهما شهريا ،دون أدائه سنتيما واحدا للصندوق الوطني للتقاعد ،و بالتالي عُدَّ من ناهبي المال العام.
7- توجه زعيم الحزب :” عبد الإله بنكيران ” إلى المواطنين و أعضاء حزبه عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي و بواسطة ” ليفات ” ،محاولا إعادة تركيب نموذج ” آية الله الخميني ” و لكن بمداخلات سطحية و تافهة أحيانا و التي يكون مضمونها عبارة عن سب و شتم و قذف لا يليق به كرئيس سابق للحكومة ،بل و يلجأ إلى التباهي بذاته ،كما أنه يحرض قواعد الحزب ضد قادته ،لكونه لم يستصغ تحمل السيد “سعد الدين العثماني” و من معه لمسؤولية الحكومة بعد إقالته ، و بالتالي يقوم بتصفية الحساب مع ذويه.
8- عدم دعم تنظيم ” العدل و الإحسان ” لحزب ” العدالة و التنمية ” في هذه الانتخابات.
و تبقى الإشارة إلى أن هذه العوامل لوحدها لم تكن كافية لاندحارالحزب ،بل إن السياق الجيو سياسي في كل المنطقة شهد هو الآخر سقوطا للتيارات الإسلاموية :
مصر و ليبيا ( حركة الإخوان المسلمين ) ، تونس ( حزب النهضة ) ،الجزائر( جبهة الإنقاذ …) و المغرب ( حزب العدالة و التنمية ).
كما أن” تركيا ” نفسها بدأت تشهد الهزات الأولى لهذا الزلزال و ذلك بسقوط مدينة ” إسطنبول ” من يد ” حزب العدالة و التنمية ” التركي.
و لابد من التذكير أن هذا المشهد السياسي الذي عاشته المنطقة منذ : 2011 ،كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي مهندسته في إطار ما سُمي آنذاك ب ” الفوضى الخلاقة “.
و إذن و بعد كل ما سبق ، ماذا ينتظر الحزب مستقبلا ؟
قد تترتب على هذا الانهيار نتائج كثيرة و وخيمة ،و منها :
* انسحاب الغاضبين .
* ضعف أداء الحزب في البرلمان المقبل ،لعدم تمكنه من تكوين فريق و لغياب الوجوه البارزة ذوو الإمكانيات الهائلة في الخطابة ،بمعنى أن معارضته ستكون باهتة .
* فقدان الحزب لسيولة مالية ممنوحة من طرف الدولة و المرتبطة بعدد المقاعد المحصل عليه في البرلمان.
* صعوبة عودة الحزب إلى القواعد لأنها فقدت الثقة فيه.
* تحريك بعض ملفات فساد قيادييه و الذين تحملوا المسؤولية في مدن مختلفة.
فهل ” حزب العدالة و التنمية ” كان ضحية تصويت عقابي؟
في اعتقادي المتواضع لازال السلوك الانتخابي لم يرتق إلى المستوى الذي يمكن أن يصبح تصويتا عقابيا لعدة أسباب ليس المجال لبسطها بتفصيل.
بقيت الإشارة إلى أن ما وقع لا يمكن اعتباره تجليا من تجليات الديمقراطية ،ما لم تتم إعادة صياغة الدستور بما يجعل نظام الحكم : ملكية برلمانية .
و في انتظار ذلك ،فما حصل في المشهد السياسي بعد انتخابات : 08|09|2021 ،هو زلزال أصاب بنيان و ساكني “حزب العدالة و التنمية ” و حوله إلى دمار و رماد.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading