ذ – إدريس حيدر :
كانت القرية تقع في أعلى الجبل ، و تطل على روابي خضراء يانعة ،كما على نهر كان يلف خصرها، و ينساب وسط تلك الروابي و كأنه ثعبان يقصد جحره.
و كان غروب الشمس يترك حمرة في الأفق، يُرى من الجبل و كأن سُقْفَ الكون ضُمٍِخ بلون النار ،مما كان يُضْفِي على تلك المنطقة بهاء عَزَّ نظيره.
كان ” عمي علي ” راعيا للغنم و في عقده الخامس ،أب لأسرة متعددة الأفراد ، و دخله الوحيد لإعالتها هي الأجرة البسيطة التي كان يتقاضاها من أحد أغنياء القرية نظير قيامه برعي أغنامه.
كانت ملابسه في الغالب بالية و متسخة ،كما أنه كان يعفو عن لحيته التي كان قد غطاها الشيب .
كان نحيف الجسم ، مشيته كانت متثاقلة و بطيئة و كأنه كان يعاني من مرض باطني.
كان يُنادى عليه من طرف شباب و أطفال القرية ب” عمي علي ” ، نظرا لتقدمه في السن ، و عطفه المستمر عليهم ،حيث كان يوزع عليهم بين الفينة و الأخرى ، الحلوى و بعض الهدايا الرمزية ، و بالتالي كان محبوبا لديهم .
كان ” عمي علي ” عادة ما يأخذ قسطا من الراحة بعد ساعات من الرعي و الوقوف طويلا ، في المغارات التي كانت في المنطقة ، و خاصة في فصل الصيف ، حيث كان يستمتع برطوبة المكان و بظلاله هربا من قيظ الحر و من الشمس التي تكون عادة حارقة ،في هذا الفصل.
و كان غالبا يغفو أو ينام و يدخل أحيانا في سبات عميق .
و في ظهيرة إحدى الأيام القائظة، التجأ ” عمي علي ” ،كعادته لإحدى المغارات التي اعتاد الاستراحة فيها ، و أخذته نوبة نوم عميقة ، تقطعت بسماعه معزوفات موسيقية بآلة ” الغيطة ” ، و كانت في منتهى الروعة .
يتبع…
تشكيل : إدريس حيدر .