“مسؤولية الأدب في هذا العصر”

14 فبراير 2022

_ الخليل  القدميري

في مثل هذا العصر، يتحمل أدبنا في الواقع مسؤولية إنقاذ الأرض وخلاص البشرية. فمن خلال الأدب ينبغي أن نخبر الناس، وخاصة أولئك الأغنياء الذين حصلوا على الثروة والسلطة بطرق غير شرعية، بأنهم خطاؤون.
يجب أن نخبر أولئك السياسيين المنافقين بأن ما يسمى بالمصالح الوطنية ليست هي المصالح العليا، بل إن مصالح البشرية طويلة الأجل هي المصالح العليا.
نريد من خلال الأدب أن نخبر النسوة اللاتي لديهن أعداد كبيرة من التنانير، وأزواج كثيرة من الأحذية، بأنهن مذنبات؛ وكذلك أن نخبر أولئك الرجال ممن لديهم عشرات من السيارات الفارهة بأنهم آثمون، كما يتعين علينا أن ننبئ أولئك الذين يشترون الطائرات الخاصة واليخوت بأنهم مذنبون، فعلى الرغم بأن من يملك المال في هذا العالم يمكنه فعل ما يشاء، يبقى أن ما يفعلونه هذا جريمة ضد البشرية، حتى وإن كانوا قد كسبوا هذه الأموال بطرق شرعية.
يجب علينا أن نخبر أولئك الأثرياء الجدد، والمضاربين، واللصوص، والمحتالين، والمهرجين، والموظفين الجشعين، والمسؤولين الفاسدين، بأن الجميع على متن قارب واحد، فإذا غرق هذا القارب، فالعاقبة واحدة؛ سواء أكنت ترتدي ملابس ماركات مشهورة، مغطياً سائر جسدك بالمجوهرات، أو كنت مفلساً ترتدي خرقة بالية.
يجب أن نستخدم الأدب لنقل الكثير من المبادئ الأساسية للناس: مثل أن البيوت مبنية للعيش فيها، وليس للمضاربة بها؛ وإن لم يتحقق غرض العيش بها، فلا تعد بيوتاً. نريد أن نذكر الناس بإنه قبل اختراع مكيف الهواء، لم تكن أعداد الناس التي تموت جراء ارتفاع درجات الحرارة أكثر مما هو عليه الآن. وقبل إن يخترع الناس المصباح الكهربائي، كان قصر وطول النظر أقل مما هو عليه الآن. وقبل إن يكون هناك تلفاز، كان الناس لا يزالون ينعمون بالكثير من أوقات الفراغ. وبعدما وجدت الإنترنت، لم تزدد حصيلة الناس من المعارف القيمة عما كانت عليه في السابق، بل ربما كانت أعداد الحمقى أقل مقارنة بالآن.
نحتاج أن نخبر الناس من خلال الأدب، بأن السفر المريح السريع قد أفقد الناس سعادة الرحلة، وأن سرعة الاتصال قد أفقدت الناس سعادة التواصل، وأن فائض الطعام، قد أفقد الناس لذة تناوله. وأن سهولة التواصل الجنسي، قد أفقدت الناس القدرة على الحب.
كما يتعين علينا أن نخبرهم بأنه لا توجد ضرورة للتطور بهذه السرعة المذهلة، ولا حاجة لأن نجعل الحيوانات والنباتات تنمو بمعدلات سريعة، لأن نموها بهذه السرعةيفقدها مذاقها الطيب، ولا يجعلها مغذية، لما تحتوي عليه من هرمونات وسموم أخرى.
نحن بحاجة لأن نضع بحسبان الناس من خلال أعمالنا الأدبية أن التطور غير الطبيعي للعلم؛ والذي يحفزه الرأسمال، والجشع والسلطة، يجعل الحياة البشرية تفتقد للكثير من الاهتمام والشغف، كما يملؤها بالأزمات.
يتعين علينا أن نخبرهم بأن عليهم أن يتريثوا قليلاً، ولا يأخذوا الأمر على محمل الجد، وأن يستخدموا ببراعة نصف المتاح، ليتركوا لأحفادهم النصف الآخر.
علينا أن نركز على إخبار الناس بأن المواد الأساسية القادرة على الحفاظ على حياة الإنسان هي الهواء، وضوء الشمس، والغذاء، والماء، وما دون هذه كلها كماليات. فأيام البشرية الجيدة لن تطول. فعندما يكون الناس بالصحراء، سيفهمون حتماً أن الغذاء والماء أغلى من الذهب والماس، وعندما تحدث الزلازل وتفيض البحار بموجات تسونامي، سيدرك الناس تمام الإدراك، أنه بغض النظر عن فخامة الفلل والقصور، فجميعها لا تعدو كونها لطخة من الطين على راحة يد الطبيعة العملاقة؛ عندما يعيث الإنسان بالأرض فساداً ليجعلها غير صالحة للعيش بها، تستحيل أي دولة، وأمة، وحزب سياسي، بل وسند مالي، كلها بلا معنى آنذاك، وبالطبع لن يكون للأدب أي معنى.
هل يمكن لأدبنا أن يكبح جماح الجشع البشري، وخاصة جشع الدول؟ الاستنتاج متشائم، وعلى الرغم من ذلك، لا يمكننا التخلي عن جهودنا في هذا الصدد. لأن ذلك لن ينقذ الآخرين فحسب بل ينقذنا نحن أيضاً في الوقت ذاته.

منقول من خطاب ألقاه الصيني “مو يان” في منتدى أدب شرق آسيا، سنة 2011، ترجمة : مي ممدوح.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading