محمد التطواني من المهجر
لم يستهويني نَزَقٌ، أوتهور الصغر . أنت وحدك ياألله كنت ترعى الحامِيّة في لحظات تدحْرجي بين الحِصيّ والرمل ، حتى استقام جسدي الغض بين حُفرٍ ملتوية، وأنا أعضّ على نواجدي من الفزع، تلُفّ جسدي قُماشة كماشة يوسف ( صع)شعرت حينها وكأني بداخل مهد بين لُججٍ تنقلني يمناً وشمالاً، فإذا هو جُبّ لا يتسع حتى لحزمة سنابل .
قبل أن تدركني المنية ، تعطلت حركاتي مع قشعريرة عادية، لكن حضور ذبذبات ناموس ، رفعت معنويتي ، وقللت من تهيّبـي.
رغم صغر حجم ذاكرتي ، عرفت أن أحدًا جانبَني ، ليتصرف معي تصرف الصغار ببراءة، وحينها تشعْشع نور ، ليحول بيني وبينه ، وانقطع أنين النُّدْبَه .
في خضم ظلمة المكان ، تحت ليل ساجٍ ،وبين ازدحام الأجساد التي جاءت تقاسمني كعكة مرة على أرض قفْرة،إستحال حالي الى حال وكأني وقعت في غيبوبة مميتة، بعد أن شعرت قد استحوذ علي رحيل عاصف ، لينقلني الى أريكة رملية أوسع لأستريح.
هذه المرة فوق سطح الأرض بجانب بئري ، الذي أضحى قبري لأيام معدودة ، كنت أسمع قيلاً وقيلاً،وتعددت الأخابير حول الحدث ، بعد أن التبس عليهم الخبر الصحيح.
تناغت معها كل الشّدوق ، واشتدت اليها الحناجر ، وتهزْهَزَ الطويل والقصير والكبير والصغير في مكانه .
.. زَعَقَ بعضهم بعد أن تضايق المكان بهم، وزاغت أعينهم ، وكثر التِّضاد :
– القروي الطفل ريان سافر عند ربه ، وبقيت جثته!!
قال طالب علم : كأنه هو يوسف بشحمه ولحمه ، عاد ليبلوكم .
تضاحكت جماعة أخرى كانت على مقربة من جُرُف البئر ، تتربص رؤيته بعيون دامية :
– وكيف عرفتم ذلك ؟
صاح آخر : – إن في ذلك لآية ، تجاوزنا حدود الله ( تفرَّطْ تْكَرَّطْ).
تدخل الرجل الدركي .. عجلات الجرافات تدور ،تجرُف التراب غدوا وعشياً ، لعلها تصل عمق البئر ، والحالة تندر بانهيار الرمال بين الفينة والأخرى بحثا عن ريان حياً أو ميتاً .
تدخلت أفْرقة من المَعاوين كانت على مقربة من البئر .
-إنه يوسف العصر!!بلّغ الرسالة ثم اختفى .
يأتي صوت آخر أنهكه البحاح :
– ومن يدري بقدرة الله ومعجزاته !!
قد يكون ريان سببا ليذكرنا بمجريات دَوابِر الماضي السحيق قبل أن تعترضنا مغبّة ( أضغات أحلام ) وقد بدا سوادها يتجلى في شح الماء وقلة الأمطار والجفاف الذي لا تجدي فيه العَبرات .
.. مرة أخرى يطل ريان من كِواء الارض المجاورة للبئر الكثيرة السواد والظلام، قبل أن يذهب الى ظلمة القبر في الخفاء متحديا ً خاصة كل من أدلى دلوه ببَوَش الكلام ، وترك خلفه كإشارة المرور لتكون كحلقة في أذن أجيال المستقبل :
( أنا ريان كنت أبحُّ في نومي ، ولولا العّطْسة التي إندفعت من أنفي كطلقة مدفع ، أو كما أخبرتكم عن تشعشع النور الذي حال بيني وبين الحياة ، لاستفقتُ من نعاسي ولجأت عند شهريار وطلبت منه أن استريح على مضجع بالقرب منه ، لأحاكي شهرزاد في حكْيها حتى لا نهاية ،
لكن رحمتك يا ألله وسعت كل شيئ .