لم يذهب مغاضباً

13 فبراير 2022

محمد التطواني من المهجر
لم يستهويني نَزَقٌ، أوتهور الصغر . أنت وحدك ياألله كنت ترعى الحامِيّة في لحظات تدحْرجي بين الحِصيّ والرمل ، حتى استقام جسدي الغض بين حُفرٍ ملتوية، وأنا أعضّ على نواجدي من الفزع، تلُفّ جسدي قُماشة كماشة يوسف ( صع)شعرت حينها وكأني بداخل مهد بين لُججٍ تنقلني يمناً وشمالاً، فإذا هو جُبّ لا يتسع حتى لحزمة سنابل .
قبل أن تدركني المنية ، تعطلت حركاتي مع قشعريرة عادية، لكن حضور ذبذبات ناموس ، رفعت معنويتي ، وقللت من تهيّبـي.
رغم صغر حجم ذاكرتي ، عرفت أن أحدًا جانبَني ، ليتصرف معي تصرف الصغار ببراءة، وحينها تشعْشع نور ، ليحول بيني وبينه ، وانقطع أنين النُّدْبَه .
في خضم ظلمة المكان ، تحت ليل ساجٍ ،وبين ازدحام الأجساد التي جاءت تقاسمني كعكة مرة على أرض قفْرة،إستحال حالي الى حال وكأني وقعت في غيبوبة مميتة، بعد أن شعرت قد استحوذ علي رحيل عاصف ، لينقلني الى أريكة رملية أوسع لأستريح.
هذه المرة فوق سطح الأرض بجانب بئري ، الذي أضحى قبري لأيام معدودة ، كنت أسمع قيلاً وقيلاً،وتعددت الأخابير حول الحدث ، بعد أن التبس عليهم الخبر الصحيح.
تناغت معها كل الشّدوق ، واشتدت اليها الحناجر ، وتهزْهَزَ الطويل والقصير والكبير والصغير في مكانه .
.. زَعَقَ بعضهم بعد أن تضايق المكان بهم، وزاغت أعينهم ، وكثر التِّضاد :
– القروي الطفل ريان سافر عند ربه ، وبقيت جثته!!
قال طالب علم : كأنه هو يوسف بشحمه ولحمه ، عاد ليبلوكم .
تضاحكت جماعة أخرى كانت على مقربة من جُرُف البئر ، تتربص رؤيته بعيون دامية :
– وكيف عرفتم ذلك ؟
صاح آخر : – إن في ذلك لآية ، تجاوزنا حدود الله ( تفرَّطْ تْكَرَّطْ).
تدخل الرجل الدركي .. عجلات الجرافات تدور ،تجرُف التراب غدوا وعشياً ، لعلها تصل عمق البئر ، والحالة تندر بانهيار الرمال بين الفينة والأخرى بحثا عن ريان حياً أو ميتاً .
تدخلت أفْرقة من المَعاوين كانت على مقربة من البئر .
-إنه يوسف العصر!!بلّغ الرسالة ثم اختفى .
يأتي صوت آخر أنهكه البحاح :

– ومن يدري بقدرة الله ومعجزاته !!
قد يكون ريان سببا ليذكرنا بمجريات دَوابِر الماضي السحيق قبل أن تعترضنا مغبّة ( أضغات أحلام ) وقد بدا سوادها يتجلى في شح الماء وقلة الأمطار والجفاف الذي لا تجدي فيه العَبرات .
.. مرة أخرى يطل ريان من كِواء الارض المجاورة للبئر الكثيرة السواد والظلام، قبل أن يذهب الى ظلمة القبر في الخفاء متحديا ً خاصة كل من أدلى دلوه ببَوَش الكلام ، وترك خلفه كإشارة المرور لتكون كحلقة في أذن أجيال المستقبل :
( أنا ريان كنت أبحُّ في نومي ، ولولا العّطْسة التي إندفعت من أنفي كطلقة مدفع ، أو كما أخبرتكم عن تشعشع النور الذي حال بيني وبين الحياة ، لاستفقتُ من نعاسي ولجأت عند شهريار وطلبت منه أن استريح على مضجع بالقرب منه ، لأحاكي شهرزاد في حكْيها حتى لا نهاية ،
لكن رحمتك يا ألله وسعت كل شيئ .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading