أمينة بنونة
يخلد الشعب المغربي، وفي مقدمته رجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي تشكل محطة مشرقة في مسلسل الكفاح، الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد، من أجل الحصول على الحرية والاستقلال.
ففي 11 يناير من سنة 1944، وتحت وطأة الاستعمار الغاشم، قدمت ثلة من رجال الحركة الوطنية، وثيقة المطالبة بالاستقلال، لبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، كما سلمت نسخة ثانية منها، للإقامة العامة ولممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا بالرباط، في حين أرسلت نسخة منها الى ممثل الاتحاد السوفياتي.
ومنذ صدور “الظهير البربري” سنة 1930، الذي أعقبته سلسلة من المواجهات والمعارك ضد التدخل الاستعماري، خاض الشعب المغربي سلسلة مواجهات للحصول على استقلاله، فتم تأسيس كتلة العمل الوطني، وتقدمت الحركة الوطنية المغربية بمطالب في هذا المجال سنتي 1934 و 1936، بينما كان النضال بالمدن والبوادي مستمرا، من أجل تعميق الشعور الوطني، وتعبئة المواطنين للانخراط في الكفاح، في أفق الفوز بالحرية والاستقلال.
وفي خضم هذا الإجماع على مواجهة الاستعمار، وحمله على الاعتراف باستقلال البلاد، شهد المغرب عدة مظاهرات، أدت إلى عقد مؤتمر أنفا، في شهر يناير 1943 .
ولقد كان لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، الأثر العميق في مختلف جهات المملكة، إذ تلتها صياغة عرائض التأييد، كما نزلت جماهير غفيرة إلى الشوارع في مظاهرات تأييد أشهرها مظاهرة 29 يناير 1944 في الرباط، التي سقط فيها عدد من الشهداء برصاص قوات الاحتلال الظالمة.
ومعلوم تاريخيا، أن سلطات الاستعمار بدلا من رضوخها لإرادة الحق والمشروعية، التي عبر عنها العرش والشعب، تمادت في محاولة الضغط على جلالة المغفور له محمد الخامس، سعيا منها إلى إدماج المغرب في الاتحاد الفرنسي، وفصل قائد الأمة عن الحركة الوطنية. وقد واجه بطل التحرير مخططات الحماية برباطة جأش، وواصل حمل مشعل التحرير والانعتاق، كما تجلى في زيارته التاريخية لمدينة طنجة يوم 9 أبريل 1947، إضافة إلى زيارته لفرنسا سنة 1950ت، وذلك من أجل تأكيد وحدة المغرب.
ويسجل التاريخ الحديث، أنه أمام الترابط الوثيق بين العرش والشعب، أمكن تحقيق فشل كل مؤامرات سلطات الاستعمار، للهيمنة وفرض مخططاتها الرامية إلى النيل من السيادة الوطنية. الأمر الذي جعل هذه السلطات الاستعمارية المقيتة، تفقد عقلها وتبادر إلى الإقدام يوم 20غشت 1953 على نفي رمز الأمة، رفقة أسرته الشريفة، خارج أرض الوطن، معتقدة أنها بذلك ستحكم قبضتها على المغرب. لكن المستعمر لم يكن يدرك، أنه بهذه الفعلة الشنيعة، كان يدق آخر مسمار في نعشه، حيث اندلعت رغم القمع والحديد والنار، أعمال المقاومة ضد سلطات الاحتلال، وعمت الاضطرابات مختلف مناطق البلاد، احتجاجا على نفي السلطان الشرعي، أعقبتها عمليات جيش التحرير المقاومة، مما كبد قوات الاحتلال كثيرا من الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد.
وبفضل هذه الملحمة البطولية المجيدة، تحقق أمل الأمة المغربية قاطبة، في عودة بطل التحرير ورمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، حاملا معه لواء الحرية والاستقلال، ومعلنا عن الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، من أجل بناء المغرب الجديد الحر المستقل. وقد سار على هذا النهج، جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليه، الذي خاض معركة استكمال الوحدة الترابية بالمسيرة الخضراء.
وسيرا على نفس الدرب، واستكمالا لمسيرات الملاحم الكبرى، يواصل المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، مسيرة الجهاد الاكبر، وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية، وتحصين الانتقال الديموقراطي التنموي.
وهكذا تظل ذكرى توقيع وثيقة الاستقلال يوم 11 يناير 1944، رمزا وطنيا لبطولة العرش والشعب، يتوارثه المغاربة جيلا عن جيل، فيحفزهم للتمسك بوحدثه الترابية والعمل على تقدمه وازدهاره.