الفنان حسن البراق بين مكنون النفس وإفصاح الطبيعة …

10 يناير 2022

 

ذ . محمد الموذن –

كثير هم أولائك الذين يكتبون أشعارا، وكثير هم كذلك الذين يعزفون أنغاما، وهناك تتناسل أسماء من يرسمون خطوطا، وعلى القماش يطلون أصباغا، ولكن القليل من القلة الذين يبصمون إبداعا، أدبا، أو موسيقى، أو تشكيلا.

ففي الميدان التشكيلي على سبيل المثال لا الحصر تتزاحم أسماء نكرة بحثا لها عن فرصة للمشاركة في معرض جماعي، أو تقتنص مناسبة لتنظيم معرض شخصي، أو تختصر الزمان والمكان، وتتسلق الجدار الأزرق، لتغطي واجهته بلوحات تشكيلية، هي أقرب من الإشكال منها إلى التشكيل، وهنا تكمن مشكلة الفن التشكيلي الذي يحتاج إلى حمايته من الرداءة والابتذال، وهو في حاجة كذلك إلى دعم ملكة الإبداع، وقيم الجمال.
خارج هذا السرب الضال، الذي لم يتعلم بعد التحليق في سماء الفن الرفيع، والتمييز بين ألوان الطيف، وقوس قزح نجد قليلا من الفنانين التشكيليين الموهوبين، المكونين أكاديميا، المؤهلين ﻹنتاج فن راق، تتجاوب معه الروح، وترتاح له العين، ويستحسنه الذوق، ويتفاعل معه الوجدان، من بين هؤلاء التشكيليين الأستاذ المربي حسن البراق، الفنان الذي يسكن بين زوايا لوحاته، يلوح لك مبتسما أو غاضبا، راضيا أو ساخطا، حتما ستكتشفه شاخصا وراء خلفية أعماله، بوده، ووداعته، وتواضعه، وخجله، ووفائه، أما إذا أمعنت النظر ستجده هو اللوحة ذاتها.
أعد قراءة اللوحة، يبد لك حسن البراق الإنسان، الذي مل نفاق البشر، وفساد الأخلاق، وتردي قيم المجتمع، يشتكي إلى نفسه من نفسه، ومن برجماتية الصديق، وخذلان القريب، ونكران الجميل.
أعد قراءة اللوحة، تجاوز مدى الإطار والخطوط والألوان، يظهر لك الفنان حسن البراق مضطربا قلقا، غير مطمئن على الحاضر، انصرف عنه الماضي قبل أن يتم إنجاز مشروع لوحته الكبرى، “لوحة الحياة”، يقلقه الجدل العقيم، يتوجس من كثرة السؤال، ويتخوف من أن يرمي الغرباء الحجارة على صرح الزجاج، لأن نفسه من معدن بلوري شفاف، وروحه من صفاء ورهيف الإحساس.
أعد قراءة لوحة الفنان حسن البراق تجده قد انفلت من ذاته، وارتمى في أحضان الطبيعة الأم، هاربا من ظروف حياتنا الرهيبة، وأوضاعنا الاجتماعية المضطربة المقلقة، يحتمي بوديانها وسهولها، وبسمائها وبحارها، يبحث عن الصفاء والمودة والسكينة والوفاء، يبحث عن الإخلاص، والصدق في المعاملة، وعن راحة الذات، وفي لحظة مخاض وإبداع ينسلخ الفنان حسن البراق من سطوة الأنا العليا، ومن الضوابط والقيود الاجتماعية، ويتحرر من مراقبة العقل، ومحاسبة الضمير، ليبوح بأسراره في خلوته مع الطبيعة، ويناشدها أن تغير أحوال البشر، وتعيد للجميع بسمة الحياة، والأمل، والسعادة والهناء، لكن هذه الطبيعة رغم إصغائها لأنيننا وشكوانا، فغالبا لا تجود علينا بما نريد ونرضى، وتلك معضلة الناس جميعا، ومعادلة إنسانية مستعصية الفهم والحل.
أعد قراءة لوحات حسن البراق تجد نفسك جنبا إلى جنب مع هذا الفنان، بل قد تجد نفسك هو، وتذرك أنه أحسن ترجمان لأحاسيسك، يعبر عن انشغالاتك ومعاناتك، يلامس روحك، ويدغدغ أوتار وجدانك، فتطمئن للوحاته نفسك، ويعجب بجمالها ذوقك، فتقول ونقول معك: الأستاذ حسن البراق فنان تشكيلي مبدع، رهيف الإحساس، حسن الطوية، مالك لنصية الريشة والألوان.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading