“مفعول الحنين”   

23 ديسمبر 2021

_ الخليل القدميري :

بعدما انقشع غبار الزمن، وفاحت نسائم عبير الأيام الخوالي، دققت النظر فانكشفت أمامي معالم حكايات بُؤسك وأنت تواجهين كل المناورات، معلنةً، بإصرار، أن اللون الواحد أفق عاجز عن استيعاب ألوان الطيف المنصهرة في عقدة تخلدت في نفس كل منتسب إليكِ، مهما طال الزمن.
فعند النبش في ثنايا ماضيك، غالباً ما يتم، العثور، من بين اللقى، على صُوَرِ أطيافكِ، محفورة بإزميل الخلود، في ذاكرة النسيان واللامبالاة. يمتزج الشعور، حينها، بنكهة الدهشة والحيرة وبعض الغثيان.
كيف تعاقب ليلك ونهارك على مر السنين، دون أن يشعر من يدعون أحقيتهم في الانتساب إليك، بأنّاتِكِ الخافتة، وأنتِ تستنجدين على استحياء، كعذراء بلا معيل.
من خلال ما طالك من عقوق، يبدو أن الجحود قد بلغ مداه، مستنفذاً  كل أدواته التبريرية واستعاراته اللفظية، وانكشفت ألاعيبه، حين قاده دهاؤه إلى السوق، مرة أخرى، لممارسة العبث، محمولا بالهتاف على الأكتاف، كأنه ليس بالإمكان خير مما كان.
حالك اليوم كحال أسرة يعاني أفرادها شح الإنفاق من قبل من كلفوا شرعاً بذلك، وحين يجرؤ أحدهم على أداء جزء بسيط مما بذمته ومن صميم واجبه، يعد ذلك منة منه واستثناءً يسعى إلى استثماره، مسخراً آلته الإعلامية وذبابه الإلكتروني ليطنبوا في التهليل والتزمير والتطبيل.
يلاحظ، مرة أخرى، أن اللغط قد تناسلت نسماته من حولكِ هذه الأيام، حين سُخِّرت آليات التواصل لتعريف الجمهور العريض بمنجزات غير مسبوقة قد تحققت، وأخرى في الطريق، ولكن ذلك قد تم أحيانا على حافة شرود، يلامس خدش مشاعر ساكنة تنظر، بعين الحسرة، إلى أن خفة في الحركة، قد تسيدت المواقف، رغم النوايا الحسنة التي تحوم حول ما تحقّق، وهو من صميم ما حتّمته حالة من التردي لم تعد تخطئها العين، حين يتم تفقد فضاءاتك الجميلة وهي تهترئ وتتلاشى، جارفة معها حالة البسطاء الصامدين من أهلك، وهم يكدون ويجتهدون، في ظروف صعبة، لتوفير لقمة العيش، وتحمل أعباء تعليم الأبناء وتنشئتهم وتأهيلهم.
من أراد أن يتجدد، فاغترب وبدّل مقامه وغرب، ظل يحمل، في تركيبة شخصيته، و ترسيمة جيناته، ومضات من صمودك الأبدي في مواجهة مظاهر التهميش والإقصاء واللامبالاة. وحينما تهفو نبرات حنينه إليك، يجد نفسه منغمساً في التعلق بكل ما يهمك ويحيط بك، لأنه يحمل في جيناته رنيناً منكِ، يتردد صداه في أعماقه، ينبهه، من حين  لآخر، بواجب زيارتك، ولو للترحم على قبور من ناضلوا بنكران ذات من أجلك دون أن ينتظروا عن ذلك جزاءً ولا شكوراً.
الرباط 23 ديسمبر 2021.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading