
ذ. ادريس حيدر :
قال ذات يوم ، ملك فرنسا ” لويس الرابع عشر ” :
” لو لم أكن ملكا لفرنسا ، لوددت أن أكون محاميا ”
محاكمة شباب مدينة القصر الكبير
بتهمة المس بالمقدسات .
إلى الأصدقاء و الرفاق :
التهامي ، أسامة ، ربيع ، يوسف و أحمد .
في فاتح ماي 2007 ، اهتزّ الرأي العام المحلي بمدينة القصر الكبير و كذا الوطني ، نتيجة اعتقال خمسة من شباب المدينة ، و الذين توبعوا من طرف السيد وكيل الملك بها ، من أجل المس بالمقدسات .
كانت القوات المختلفة و المتنوعة : شرطة ، قوات مساعدة ، و غيرها من الأجهزة الاستخباراتية تطوق المحكمة ، كما كانت قاعة المحكمة تغص بالمواطنين الذين كانوا يترددون على المحكمة من أجل متابعة أطوارها تعبيرا عن تضامنهم مع المعتقلين ، كما كان آخرن يصطفون ببابها رافعين الشعارات و مستنكرين المحاكمة و منددين بمخرجيها ، و أغلبهم عبروا عن آمالهم و إصرارهم على النضال من أجل مغرب حر و ديمقراطي .
و كان قد تطوع للدفاع عن هؤلاء المناضلين الشباب ثلة من المحامين الذين جاءوا من مختلف مناطق و جهات المغرب ، و كانوا قد اتفقوا على أن أكون منسقا لهيئة الدفاع .
لقد تناوب و تداول هؤلاء المحامون المقتدرون على الدفاع بكثير من الكفاءة و الحجة و الدليل و المنطق و بعد نظر و عقلانية ، و كانت مرافعاتهم متناسقة و متناغمة و قوية .
و لازلتُ أتذكر أننا كمحاميين ، كنا نقضي النهار و الليل دون توقف أو انقطاع في تقديم الملتمسات ، و طرح الأسئلة ، و الدفاع و التعقيب إلى أن تشرق شمس الصباح أحيانا .
و كانت المناقشة القانونيةُ ترتكز على كون ” المس بالمقدسات ” مفهوم غامض و فضفاض ، و أن القانون الجنائي لا يشير إليه ، فيما الدستور يصف شخص الملك بالمقدس .
و اعتبروا أن التهمة الموجهة إلى هؤلاء الشباب غير ذي أساس قانوني و الهدف منها تكميم الأفواه و قمع الحريات .
و أبرز الدفاع أنه و في الوقت الذي يزعم فيه المغرب ، أنه طوى صفحة انتهاك حقوق الإنسان ، فإن الواقع غير ذلك و يكذب تلك الشعارات و الخطابات المزيفة ، و أن الإصلاحات السياسية التي تزعم الدولة القيام بإحداثها و إجراءها ، تظل هشة و موجهة للاستهلاك الخارجي .
و كانت السلطات ، قد زعمت أن معتقلي فاتح ماي ، رفعوا شعارات ساخرة و مهينة و مسيئة للملك .
و هنا ، لا بد من تثمين شجاعة هؤلاء الشباب ، و ذلك بتمسّكهم بآرائهم ، و تنديد هم بانتهاكات حقوق الإنسان ، و تعريتهم للوضع المتدهور اقتصاديا و اجتماعياً و سحبهم لسياسة الحكومة اللاشعبية .
و كانت المحكمة قد أدانتهم بعقوبات شديدة و قاسية .
و الجدير بالذكر أنه صدر عفو ملكي في حقهم .
و كان ” ربيع الريسوني ” أحد هؤلاء الشباب المتابعون و المدانون ، قد صرح غداة العفو عنه :
” العفو هو اعتذار رسمي من أجل تصحيح الأخطاء التي ارتكبها القضاء في حقنا “.
و أضاف :” أن محاكمتهم سياسية بامتياز ، و أن الدولة توظف هذه الجنح و المتابعات بهدف تكميم الأفواه “.
و أضاف :
” عندما رفعنا شعارات في فاتح ماي أو عندما نرفعها في أي وقت ، فبغية انتقاد سياسة الدولة و لا تستهدف شخص الملك “.
فيما صرح الفاعل السياسي و أحد هؤلاء المعتقلين :” أسامة بنمسعود “:
” كنا نتمنى أن يكون إطلاق سراحنا من طرف القضاء الذي أخطأ في حقنا ، لكن العفو جاء ليؤكد عدم نزاهة القضاء المغربي “.
كما اعتبرت السيدة :” خديجة الرياضي ” رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان :
“أن الحقوق و الحريات بالمغرب تعرف تراجعات كبيرة “، و أضافت :
” ما يقع يبين زيف الادعاءات الرسمية ، و أنه و منذ التسعينات و عندما بدأ المغرب يعلن عن إصلاحات في مجال حقوق الإنسان و المصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية ، حذرنا على كون التغييرات لاتتم على أرض صلبة و هذه الأرضية تتمثل في إقرار دستور ديمقراطي غير ممنوح يقر بسمو المواثيق الدولية و كذا إقرار الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية ، إذ لا يمكن تجزيء الحقوق ”
فعلا ، كانت عقارب الزمن السياسي و الحقوقي ، متجهة صوب مدينة القصر الكبير و المحاكمة السياسية التي تشهدها ، وكما أن التاريخ سيسجل براعة المحامين في الدفاع عن الحق و تحقيق العدل .