
ـ بقلم ذ : ادريس حيدر
قال ذات يوم ملك فرنسا :” لويس الرابع عشر ” :
” لو لم أكن ملكا لفرنسا ، لوددتُ أن أكون محاميا “.
البدايات الأولى :
التحقت أول يوم بالمحكمة الابتدائية بالقصر الكبير ، كنتُ قلقا و متوجسا ، لإقدامي على حرم قصر العدالة كمحام هذه المرة ، و ليس كمعتقل سياسي .
كان علي أولا أن أقدم نفسي و أتعرف على قيدومي هذه المهنة ، ثم أقوم بجولة في مرافق المحكمة و أزور السادة : رئيس المحكمة و وكيل الملك بها و السادة القضاة و الموظفين .
و أثار انتباهي منذ البدء ، أن هذه المهنة ذات تقاليد و أعراف عريقة ، تجعل منها مهنة سامقة و نبيلة و شامخة ، بفضل رجالاتها الذين كانوا يكرسون في معاملاتهم فيما بينهم و مع الأغيار ، تلك القيم المثلى المضمنة في قانون مهنتهم .
أُعْجِبْتُ ببعض زملائي القدامى بسبب حضورهم الوازن و تعاملهم معي بأخلاق عالية ، كما كانوا يتميزون بأناقتهم الفكرية و المظهرية .
كذلك استمتعتُ ببعض المرافعات لبعض المحامين الذين أتيحت لي الفرصة للاستماع إليهم في محاكم متفرقة من البلاد .
و استنتجت باكرا ، أن مهنة المحاماة ليست وسيلة للكسب فقط ، لكنها فريدة و لا تشبه أية مهنة أخرى ، و أن المنتسب لها يمكن أن يكبر بكبر حجمها ، إن كان صادقا و مؤمنا بدوره في تحقيق العدالة في المجتمع .
كانت مجمل القضايا التي تشهدها أو تجري أمام المحاكم هي زبدة النزاعات حول المصالح و تضاربها التي تقع بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين الأغيار في المجتمع .
و أن العدل هو الضامن الأساسي للاستتباب الأمن و تحقيق السلم و الرفاه داخل المجتمع فضلا عن ذلك تشجع المستثمرين من أجل إقامة مشاريعهم التي تساعد البلاد على النماء و التطور و الرقي و الرخاء .
كما أنني أدركتُ و منذ اللحظات الأولى ، أن هناك صنفان من القضاة ، فمنهم العدل و المستقيم و النزيه ، الذي يعمل بضمير مهني عال و يروم تحقيق العدل ، و آخرون مرتشون و منعدمو الضمير ، همهم الوحيد جمع الأموال لإقامة مشاريع استثمارية مربحة لهم و لأفراد أسرهم .
و هو نفس الأمر بالنسبة لبعض المحامين ضعاف النفوس و الذين كانوا يمارسون السمسرة و النصب على المواطنين .
و غالبا ما كنتُ و لا أزال أستاء من هذه الممارسات المقيتة و الفظة، نظرا لقناعاتي التي هي عبارة عن قيم فضلى كنت و لا أزال أومن بها ، و أندد بهذه المسلكيات المنحطة .
و في إحدى الأيام و أنا أتعرض في إحدى مداخلاتي لهذه الممارسات الانحرافية ، تناول الكلمة أحد القيدومين و بهدوء و ثبات قال :
” يقول الله تعالى في محكمًً كتابه الكريم :
و أما الزبد فيذهب جفاء ، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .”صدق الله العظيم .
كان تعليقه كافيا و شافيا و بليغا .
يتبع …