
بقلم : عبد القادر محمد حسن الغزاوي
لقد وقع خطأ تاريخي جغرافي في تحديد مكان وفاة ومدفن السيد الحرة بين مدينتي القصر الكبير التي لم تطأها قدماها ، ومدينة شفشاون مسقط رأسها . والسيدة الحرة هي بنت القائد المجاهد الشريف علي ابن راشد مؤسس مدينة شفشاون ، ولدت في شفشاون ، وأمها ذات أصل إسباني دخلت الإسلام وسميت الزهرة . فالسيدة الحرة تعد من أشهر النساء في تاريخ المغرب . والمعلومات المتوافرة عن حياتها الخاصة والعامة ، بصفتها حاكمة مدينة تطوان ، وزوجة حاكم تطوان المنظري الثاني ، وزوجة السلطان أحمد بن محمد الوطسي ، وانتمائها إلى عائلة ذات نسب ونفوذ ، كلها قليلة ومحدودة ومتكررة . ورغم أنها تعد ( من النساء القلائل اللائي ظهرن في التاريخ المغربي على مسرح السياسة والحكم السيدة الحرة بنت علي بن موسى بن راشد الشريف العلمي ، فقد وليت الحكم والتدبير بتطوان فترة من الزمان خلال القرن العاشر الهجري ، وتزوجت واحدا من رؤساء بني المنظري مؤسسي تطوان الحديثة ، وانزلها من كرسي الحكم فيما بعد واحد منهم أيضا ) . كتاب الوثائق . المجموعة الأولى . ( 1 ) .
المعلومات المتوافرة ببعض الكتب التاريخية التي أرخت لحياة السيدة الحرة ، لم تشر لا من قريب ولا من بعد إلى السنة بالضبط التي هاجرت فيها بعد الإطاحة بها من سدة الحكم سنة 1542 م ، بعد مضي ما يزيد على ثلاثين سنة من الحكم ، من مدينة تطوان مقر حكمها ، إلى مدينة شفشاون مسقط رأسها ، المدينة التي أسسها والدها علي ابن راشد ، حيث يوجد ضريحه بها خارج باب العين ، ويعد ولي مدينة شفشاون . ولما حلت السيدة الحرة بمدينة شفشاون استوطنتها بصفة نهائية ، ولم تقصد زوجها السلطان أحمد بن محمد الوطاسي بمدينة فاس ، وعاشت بها بقية عمرها إلى أن توفيت. وضريحها معروف ومشهور بمدينة شفشاون ، وذلك حسب ما ورد في بعض الكتب التي تناولت سيرتها .
وتبعا لهذا الغموض فقد وقع خطأ تاريخي جغرافي حول مكان وفاتها ومدفنها . فقد ورد في بعض الكتب التي تناولت الحديث عن حياة السيدة الحرة أنها توفيت بمدينة القصر الكبير ودفنت بها ، وهذا خطأ لم ينتبه إليه بعض الكتاب والمؤرخين الذين اهتموا وكتبوا عن السيدة الحرة ، وذلك من أجل لفت الانتباه إلى هذا الخطأ التاريخي الجغرافي وتصحيحه . ومن هذه الكتب أذكر بعضها مثل :
1 ـ كتاب المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي . تأليف عبد الهادي التازي . الطبعة الأولى . السنة 1992 م .
ـ الصفحة 199 : جاء فيها ما يلي ( … وقد ساعد كل هذا على تصعيد الخلاف وهنا . كما هي العادة ، دبرت المؤامرة التي أطاحت بحكم الحرة لمدينة تطوان والتي كانت سببا في مصادرة أملاكها … وهكذا عادت السيدة الحرة إلى مسقط رأسها ( شفشاون ) وانسحبت من المسرح السياسي وانقطعت إلى العبادة … إلى أن أدركها أجلها في مدينة القصر الكبير يوم 12 ذي القعدة 960 = ( 14 يوليه 1562 ) . هذا خطأ . ( 2 ) .
2 ـ كتاب المرأة المغربية والتاريخ الوطني . إشكالية الفعل النسائي بين التاريخ العالم والتاريخ المدرسي . تأليف السعدية ابن محمود . السنة 2018 م .
ـ الصفحة رقم 45 : جاء فيها ما يلي : ( … بل رجعت إلى مسقط رأسها شفشاون ” وانسحبت من المسرح السياسي وانقطعت إلى العبادة … إلى أن أدركها أجلها في مدينة القصر الكبير يوم 12 ذي القعدة 962 / 14 يوليه 1562 ” ) . هذا خطأ . ( 3 ) .
ولقد ذكر مؤلف كتاب المغرب عبر التاريخ إبراهيم حركات ، أن مصير السيدة الحرة ظل مجهولا وغير معروف . وأنها كانت متزوجة من أبي الحسن المنظري حاكم تطوان ، حيث جاء في الصفحة رقم 200 من الكتاب نفسه : ( … وقد كانت تشارك زوجها مهام الحكم حسبما استنتجه الأستاذ داود في كتابه تاريخ تطوان ، وتوفي زوجها حوالي سنة 935 هـ وتولت هي نفسها حكم تطوان بعد ذلك ، وتزوجها أحمد الوطاسي سنة 948 هـ وبقيت هناك نائبة عنه حسب استنتاجات المصدر المذكور إلى أن استعادت حكم شفشاون عائلة المنظري سنة 949 هـ حيث تم إقصاء الست الحرة التي لا يعرف مصيرها بعد ذلك على التحقيق ، والظاهر أن سياستها كانت ترمي إلى مهادنة البرتغال وموالاتهم ) . ( 4 ) .
أما محمد ابن عزوز حكيم فقد قال في كتابه مولاي علي ابن راشد مؤسس شفشاون : ( لم نتمكن من معرفة ما وقع بالست الحرة بعد أن أرغمت على مغادرة تطوان ، وكل ما نعرفه عنها هو أن المنظري الرابع صادر جميع ممتلكاتها . إلا أن لابيرون اعتمادا على كراوي يقول بان الست الحرة التجأت إلى شفشاون وهناك أسست زاوية لها حيث مكثت بضع سنين ثم انتقلت إلى القصر الكبير حيث عاشت مع ابنها ابن عسكر إلى أن وافتها المنية يوم 12 ذي القعدة 969 هـ / 1562 م . ولكن هذا ليس بصحيح لأن كلام كراوي ولابيرون يرتكز على الفكرة الخاطئة القائلة بأن الست الحرة كانت هي والدة ابن عسكر ، وقد سبق أن أثبتنا أن الست الحرة لم تنجب إلا بنتا واحدة من زوجها الأول المنظري الثاني . والحقيقة هي أن الست الحرة اختارت مسقط رأسها شفشاون لتعيش فيه إلى أن وافتها المنية بها ، ويوجد قبرها الطاهر بزاوية سيدي الحسن بالقرب من القصبة ، تغمدها الله برحمته آمين ) ( 5 ) .
وقال عبد الوهاب ابن منصور في كتاب الوثائق الصفحة رقم 345 : ( وبذل علامة تطوان ومؤرخها الجليل السيد محمد داود في تاريخ تطوان جهدا مشكورا لرفع الحجب المسدلة عن هذه السيدة فلم يشف الغليل بغموض الحقبة وسكوت المؤرخين وانعدام المصادر ) ( 6 ) .
وأعود إلى تصحيح الخطإ التاريخي الجغرافي في تحديد مدفن السيدة الحرة ، فالصواب أن التي توفيت بمدينة القصر الكبير هي عائشة بنت أحمد الإدريسية ، ودفنت خارج باب سبتة أحد أبواب مدينة القصر الكبير ، وليست السيدة الحرة . وهي والدة ابن عسكر محمد بن علي الحسني الشفشاوني ( 1529- 1578 م ) . صاحب ” كتاب دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر ” ، الذي كان من مؤيدي ومناصري الملك المسلوخ محمد المتوكل ، و الذي توفي في أثناء معركة وادي المخازن بتاريخ 4 غشت 1578 م ، بالقرب من مدينة القصر الكبير بشمال المغرب . وأقبر بمدينة القصر الكبير، ويعرف ضريحه عند أهالي المدينة بضريح ” سيدي بورمانة ” . أما السيدة الحرة فقد توفيت بمسقط رأسها مدينة شفشاون ودفنت بها بعد مرور ثمان عشرة سنة على الإطاحة بها . ولم تذكر كتب التاريخ التي تناولت حياتها فترة إقامتها الأخيرة بمدينة شفشاون ، وعلاقتها بأخيها الغير الشقيق محمد بن علي بن راشد حاكم مدينة شفشاون ، وعلاقتها بأهل وعلماء ومؤرخي وأعيان مدينة شفشاون ، رغم مكانتها العائلية ، ودورها التاريخي والسياسي ، فظل الغموض والتقصير يسودان هذه الحقبة من حياتها ، باستثناء العبارة المتكررة ، أنها انصرفت إلى العبادة إلى أن وافتها المنية ، دون أي معلومات مفيدة ومهمة عن حياتها الأخيرة في مدينة شفشاون .
أما ضريحها الموجود بمدينة شفشاون ( بزاوية سيدي الحسن بالقرب من القصبة ) فلا توجد به أية لوحة تشير إلى أنه قبر السيدة الحرة ، وحتى الدرب المكان الموجود به لا يحمل إسمها ، تكريما وتقديرا لها كإمرأة حاكمة ، ولمكانتها العائلية كإبنة لولي مدينة شفشاون ومؤسسها ، ولدورها التاريخي والسياسي في تاريخ المغرب أيام حكم الدولة الوطاسية .
المراجع والهوامش :
1 ـ كتاب الوثائق . المجموعة الأولى . السنة 1976 م . المطبعة الملكية الرباط . عبد الوهاب ابن منصور. مؤرخ المملكة مدير الوثائق الملكية . الصفحة رقم 345 .
2 ـ كتاب المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي . تأليف عبد الهادي التازي . الطبعة الأولى . السنة 1992 م . الصفحة رقم 199 .
3 ـ كتاب المرأة المغربية والتاريخ الوطني . إشكالية الفعل النسائي بين التاريخ العالم والتاريخ المدرسي . تأليف السعدية ابن محمود . السنة 2018 م . الصفحة رقم 45 .
4 ـ كتاب المغرب عبر التاريخ . تأليف إبراهيم حركات . الجزء الثاني . من بداية المرينيين إلى نهاية السعديين . السنة 2000 م . الصفحة رقم 200 .
5 ـ كتاب مولاي علي ابن راشد مؤسس شفشاون . الجزء الأول . تأليف محمد ابن عزوز حكيم . الصفحة رقم 47 .
6 ـ كتاب الوثائق . مرجع سابق . الصفحة رقم 345 .
7 ـ كتاب نشرالمثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني . الجزء الأول . تأليف محمد بن الطيب القادري . تحقيق محمد حجي وأحمد توفيق . السنة 1977 م .
8 ـ كتاب مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن . تأليف محمد العربي بن يوسف الفاسي الفهري .
9 ـ كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي . تأليف عبد الله كنون . الجزء الطبعة الثانية . السنة 1961 م .
10 ـ كتاب معلمة المغرب . الجزء 10 . السنة 1998 م .
11 ـ كتاب دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر . تأليف محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني . تحقيق محمد حجي . الطبعة الطبعة الثالثة . السنة 2003 م .
12 ـ كتاب الزاوية الريسونية : التاريخ والأدوار . تأليف سعيدة الأشهب . السنة 2018 م .
13 ـ كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى . تأليف أحمد بن خالد الناصري .
14 ـ كتاب تاريخ تطوان . تأليف محمد داوود . الجزء الأول .
15 ـ كتاب مختصر تاريخ تطوان . تأليف محمد داوود . الجزء الأول . الطبعة الثانية ، السنة 1955 م .
16 ـ كتاب عمدة الراوين في تاريخ تطاوين . تأليف أحمد الرهوني .
17 ـ كتاب الطريق إلى معرفة القصر الكبير . تأليف محمد عبد السلام بوخلفة . السنة 1972 م .
18 ـ كتاب مغربيات حفل بهن التاريخ . الجزء الأول . تأليف المصطفى حمزة . الطبعة الأولى . السنة 2012 م .
19 ـ كتاب معجم شهيرات المغرب . تأليف زهراء ناجية الزهراوي . الطبعة الأولى . السنة 2009 م .
20 ـ كتاب الست الحرة حاكمة تطوان . تأليف محمد ابن عزوز حكيم . السنة 1983 م .
21 ـ كتاب الست الحرة أميرة الجهاد بشمال المغرب . تأليف أبو صهيب محمد أثار . الطبعة الأولى . السنة 2008 م .
22 ـ كتاب الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية بشفشاون وأحوازها خلال القرن العاشر الهجري ( السادس الميلادي) . تأليف عبد القادر العافية . السنة 1982 م .
23 ـ كتاب دولة بني وطاس ( 1420 ـ 1554 ) . تأليف أوغست كور . ترجمة محمد فتحة . الطبعة الأولى السنة 2010 م .
24 ـ كتاب المنظري الغرناطي مؤسس تطوان . تأليف غيرمو غاتالبيس بوستو . ترجمة ممدوح البسناوي . الطبعة الأولى السنة 2007 م . المشروع القومي للترجمة . العدد 1187 .
25 ـ كتاب الموريسكيون في المغرب . تأليف غيير موغوثالبيس بوستو . ترجمة مروة محمد إبراهيم . مراجعة وتقديم جمال عبد الرحمان . الطبعة الأولى . السنة 2005 م . المشروع القومي للترجمة . العدد 726 .
27 ـ كتاب مذكرات من التراث المغربي . الجزء الثالث .
28 ـ كتاب موجز تاريخ شفشاون . تأليف القاضي الوزير محمد الصادق الريسوني . أخرجه وقدم له حفيد المؤلف علي الريسوني . السنة 1986 م .