
ذ . ادريس حيدر
مدينة القصر الكبير أو ” أوبيدوم نوفوم” ، ضاربة جذورها في التاريخ ، فضلا عن ذلك فإن موقعها بارز و ساطع في حوليات التاريخ المغربي ، من خلال معركة الملوك الثلاث 1587( معركة وادي المخازن) ، هذه الحرب الصليبية التي تحقق فيها انتصار المسلمين و قطع الطريق أمام الزحف المسيحي ، الذي كان يهدف مسخ الهوية المغربية .
و عُرف تاريخ المدينة الحديث أيضا بتسجيل مواقف ساكنتها في كل المحطات الانتخابية ، فقد كانت من أولى المدن المغربية التي انتخبت اليسار لإدارة شأنها ، بالرغم من القمع الشديد الذي كانت تشهده البلاد نتيجة الحكم المطلق و الاستبداد .
و توالى بعد ذلك على تدبير الشأن العام ممثلون لأحزاب سياسية مختلفة .
كما أن شباب هذه المدينة ، كان سباقا لتسجيل مواقفه السياسية من خلال مظاهرات و مسيرات ، و قد أدى بعضهم ضرائب غالية من حياتهم بقتل بعضهم من طرف العسكر أو بالحكم على آخرين بعقوبات سجنية قاسية : أحداث يناير 1984، حركة 20 فبراير ، الشباب الذي اتهم بالمس بالمقدسات ، و أخيرا و ليس آخر احتجاجات جيل “زد”.
و من المعلوم أن هذه المدينة و بصرف النظر عن تفاعل شبابها و نخبها مع الأحداث الوطنية الكبرى التي شهدها المغرب ، فقد تميزت عن كثير من المدن بكونها مدينة العلم و الفقه و الإبداع .
فكثير من أبناءها هم : علماء و فقهاء ، برزوا على الساحة الوطنية و أدلوا بدلوهم في ميادين اختصاصهم .
و كثير منهم مبدعون : شعراء ، كتاب ، قصاصون ، روائيون و رسامون تشكيليون ، دون التطرق لنجوم سطعوا في سماء العلم و المعرفة كأساتذة جامعيين و مخترعين و أبطال في الرياضة …الخ.
إلا أن هذه المدينة ظلت تعيش تهميشا كبيرا على مستويات عدة ، و لم تقم الدولة بترقيتها إلى مستوى عمالة كما تم بالنسبة لمدن أقل منها ، بالرغم من توفرها على إمكانيات و طاقات جد مهمة .
مناسبة هذه الكرونولوجيا ، هي المهزلة التي كان بطلها النائب البرلماني لإقليم العرائش و رئيس المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير ، السيد :” سيمو”، بالقرب من مقر البرلمان ، عقب خطاب الملك بمناسبة دورة أكتوبر للسنة التشريعية الأخيرة في هذه الولاية .
و يمكن استخلاص العناصر التالية من هذا الحادث النشاز و هي كالتالي :
1- إن ما قام به منشط تلك الحلقة يعبر عن ضحالة صاحبها فكرا و ممارسة ، بل و حتى الشعارات التي رفعها بمعية من التف حوله ، تعتبر خارج السياق السياسي الحالي .
2- إنه تجرأ و اقتحم مواضيع و إشكالات أكبر من إدراكه ، و أعطى تصريحات ، هي عبارة عن هذيان لا معنى له .
3- إن المسرحية التافهة التي أوكل له دور القيام بها ، تعتبر هي الأخرى ، إساءة للبرلمان المغربي و مكوناته ، و للوطن و لمدينة القصر الكبير ذات التاريخ المجيد .
4- إن ما وقع هو تعبير حقيقي على التدني المعرفي و السلوكي ، لبعض أعضاء ذلك المحفل التشريعي و منهم ممثل المدينة .
5 – إنه تجلي للأمية السياسية، لكون بعض النواب يتواجدون في البرلمان ، ليس بكفاءاتهم أو مصداقيتهم أو لعلمهم و لكن
بوسائل منحطة و مخالفة للقانون .
وبناء عليه أرفع صوتي عاليا و أقول :
كفى ، يجب احترام هذه المدينة و تاريخها و رجالاتها الأفذاذ .