– الإعلام بين وهم الحياد وهاجس التغيير –

4 أكتوبر 2025

بقلم: أحمد الشواي

لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل المعلومة، بل أصبح فضاءً للصراع الرمزي بين من يملك سلطة الخطاب ومن يسعى إلى تحرير المعنى.
ففي زمن الأزمات، يتخذ الإعلام وظيفة تتجاوز الإخبار إلى صناعة الوعي الجماعي وتوجيهه. وهنا تكمن المفارقة: هل الإعلام يُعبّر عن الواقع، أم يُنتج واقعًا موازيًا يخدم توازنات القوى القائمة؟

في الحالة المغربية، يبدو المشهد الإعلامي مرآةً للتناقضات الاجتماعية والسياسية. فبينما يعيش الشارع احتقانًا اقتصاديًا ومعنويًا متجذرًا في الإحباط من النخب الحاكمة وتآكل الثقة في المؤسسات، نجد جزءًا من الإعلام يشتغل بمنطق التهدئة والتبرير، في حين يحاول جزء آخر كسر الصمت، ولو عبر مساحات ضيقة من الحرية الرقمية.

الإعلام التقليدي — بشقيه العمومي والخاص — كثيرًا ما يُعيد إنتاج خطاب السلطة عبر لغة الاستقرار والتنمية الموعودة والرهان على الثقة في الدولة، في حين تُغيب أصوات النقد والتساؤل الحقيقي حول أسباب الأزمات. هذه المقاربة لا تكرّس فقط رؤية أحادية للواقع، بل تساهم في بناء وعي زائف، يتصالح مع المعاناة اليومية بشرط ألا يزعج النسق العام.

أما الإعلام البديل، فقد تحوّل إلى مختبر للتعبير الشعبي، يكشف هشاشة السرديات الرسمية ويفتح المجال لخطاب أكثر جرأة. لكن هذا الإعلام نفسه يعيش على الحافة: بين طموح الحرية وضغط الرقابة، بين نبل الرسالة ومخاطر التسييس، وبين شغف الحقيقة وإغراء التأثير.

في جوهر الأمر، لا تكمن أزمة الإعلام المغربي اليوم في المضمون وحده، بل في موقعه من المجتمع. فحين يصبح الإعلام أداة لإعادة إنتاج السلطة الرمزية بدل مساءلتها، يفقد معناه التنويري ويتحوّل إلى وسيلة لتجميل الاضطراب. أما حين يختار أن يكون ضميرًا جماعيًا، فإنه يُسهم في فتح أفق جديد للتفكير، وفي تحويل الاحتقان إلى وعي نقدي لا إلى غضب عشوائي.

إن العلاقة بين الإعلام والواقع تشبه علاقة الضوء بالظل: كلّما اشتد الضوء، اتضح شكل الظلال. والاحتقان الذي يعيشه الشارع المغربي اليوم ليس مجرد حالة انفعالية، بل مرآة لخلل في التواصل بين السلطة والمجتمع، بين من يُدير الخطاب ومن يعيش نتائجه.

فالإعلام، في نهاية المطاف، ليس مرآة لما يحدث فقط، بل أداة لتحديد من يحق له أن يتكلم، ومن يُصغي، ومن يُصمت. وحين يستعيد الإعلام المغربي هذا الوعي الوجودي بدوره، سيتحوّل من ناقل للأزمات إلى فاعل في تجاه

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading