
– إلياس طلحة :
من أبرز المظاهر التي أصبحت تثير الكثير من علامات الاستفهام في المشهد الحزبي ببلادنا، أنّ الأحزاب السياسية تظل شبه غائبة عن الفعل اليومي، وباردة في تفاعلها مع قضايا المواطنين طيلة سنوات الولاية، ثم لا تلبث أن تستفيق فجأة، قبل سنة أو أقل من الانتخابات، لتشرع في نشاطات متتالية، مؤتمرات تنظيمية، إعادة هيكلة المكاتب، تنشيط الفروع في الأقاليم والجهات، إطلاق حملات خطابية، حيث أصبحنا أمام آلة انتخابية تشتغل فقط في الانتخابات.
هذا السلوك لا يكشف فقط عن خلل في الرؤية الاستراتيجية للأحزاب، بل يُظهر أن الكثير منها اختزلت السياسة في الانتخابات، والتأطير في الاستقطاب اللحظي، والتواجد الميداني في لحظة البحث عن الأصوات، وهو ما يُفرغ دور الأحزاب من جوهره، باعتبارها مؤسسات دستورية يفترض أن تؤطّر المواطنين، وتكوّن النخب، وتكون حاضرة باستمرار لمواكبة انشغالات الناس اليومية، لا أن تتحوّل إلى “ماكينات انتخابية” تستيقظ في المحطات الانتخابية، ثم سرعان ما تعود إلى سباتها العميق.
المواطن اليوم لم يعد يثق في هكذا ممارسات، لأنه يراها موسمية وانتهازية، فالمواطن البسيط الذي يواجه مشاكل التعليم والصحة والشغل والغلاء يومياً، يحتاج حزباً حاضراً في الحي والقرية والمدينة بشكل دائم، يسمع له، يقترح حلولاً، ويُدافع عن مصالحه في مختلف الفضاءات، أما أن يظهر الحزب فقط لحظة الانتخابات، فذلك يرسّخ القطيعة ويُعمّق العزوف، بل ويفتح الباب أمام الشعبوية والوعود الكاذبة.
المطلوب اليوم ليس نشاطاً انتخابياً متأخراً، بل حضوراً دائماً وفعّالاً، يربط العمل الحزبي بمشروع وطني مجتمعي، ويعيد الثقة المفقودة بين المواطن والسياسة، إنّ الحزب الذي لا يُمارس السياسة يومياً، لا يمكن أن يُقنع الناس فجأة عند اقتراب موعد التصويت.