
_ ذ . محمد الشدادي
يطل الدخول المدرسي كل سنة كموعد منتظر يحمل في طياته الأمل والتجدد، لكنه لا يخلو من مشقة تتكرر بصمت في آلاف البيوت المغربية. فبين فرحة الأطفال بعودة الحياة المدرسية، يعيش الآباء والأمهات ضغطا نفسيا وماديا متزايدا، في محاولة لتوفير مستلزمات الدراسة من أدوات وكتب وملابس، وسط ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.
في الماضي، كانت الأسر تعتمد على تدوير الكتب بين الأبناء أو الجيران، مما يخفف العبء ويرسخ ثقافة المشاركة. أما اليوم، فقد أصبحت معظم الكتب تصمم بطريقة تجعلها تستهلك في سنة واحدة، إذ يطلب من التلميذ الكتابة داخلها مباشرة، مما يفقدها قابلية الاستعمال من جديد. وهكذا، لم تعد عملية التدوير كافية، بل تحولت إلى ذكرى من الزمن الجميل.
ومع هذا التحول، تتضاعف التكاليف، وتجد الأسر نفسها أمام تحديات جديدة: شراء كتب جديدة كل سنة، اقتناء أدوات مدرسية بأسعار غير مبررة، وتوفير ملابس تناسب مظهر العودة، حتى لا يشعر الطفل بالنقص أمام زملائه. هذه التفاصيل الصغيرة تشكل ضغطا كبيرا على الأسر، خاصة تلك التي تحاول أن توفر لأبنائها بداية متكافئة دون أن تفرط في كرامتها.
ورغم هذه المعاناة، يظل الأمل قائما في أن يتحول الدخول المدرسي إلى لحظة تضامن مجتمعي حقيقي. فالمسؤولية لا تقع على الدولة وحدها، بل على الجميع. الجهات المعنية مطالبة بتكثيف الرقابة على الأسعار، وجمعيات المجتمع المدني مدعوة إلى تعزيز مبادراتها لدعم أبناء الأسر الهشة، وخاصة جمعيات آباء وأولياء التلاميذ التي يقع على عاتقها دور أساسي في توفير بعض اللوازم المدرسية والتكفل بواجبات التسجيل لمن هم في حاجة.
كما أن الجيران والمحيط الاجتماعي مدعوون إلى إحياء ثقافة التكافل، ولو بتقديم محفظة مستعملة أو دفتر زائد، فالمبادرات الفردية البسيطة قد تحدث فرقا كبيرا في حياة طفل أو أسرة.
وفي قلب هذا المشهد، يبرز دور المدرسين الذين ينتظر منهم أن يراعوا واقع التلاميذ، وألا يثقلوا كاهلهم بكثرة اللوازم غير الضرورية، وأن يحرصوا على عدم تعنيف أو إخراج من لم يتمكن من إحضارها، أو إشعارهم بالنقص أمام زملائهم. فالمربي الحقيقي لا يكتفي بنقل المعرفة، بل يجسد الرحمة والاحتواء، ويدرك أن الكرامة النفسية للتلميذ لا تقل أهمية عن مستواه الدراسي.
إن الدخول المدرسي ليس اختبارا للقدرة الشرائية، بل مناسبة وطنية يجب أن تجسد قيم العدالة والرحمة. يجب أن نعيد له معناه الحقيقي بكونه بداية حلم، لا بداية هم.
فليتعاون الجميع من أجل تحويل هذه المحطة السنوية من عبء إلى فرصة، و من ألم إلى أمل، و من فردية إلى تضامن.