حين يغنى الانحلال في المهرجانات من يحمي أطفالنا ؟

29 أغسطس 2025
Oplus_131072

بقلم : ذ . محمد الشدادي :

الفن ليس خصما للمجتمع، بل هو أحد أرقى أشكال التعبير الإنساني، حين يكون حاملا لرسالة، نابعا من وجدان صادق، وموجها نحو بناء الإنسان قبل الترفيه عنه. لا أحد يقف ضد الفن، بل غالبية الناس تؤمن بدوره الحيوي في تهذيب الذوق، وتوسيع المدارك، وإشعال الأسئلة الكبرى في النفس والعقل.
لكن ما نراه اليوم في بعض المهرجانات الصيفية لا يمت لهذا الفن الراقي بصلة، بل هو انزلاق نحو الابتذال، وتكريس لثقافة الانحلال تحت غطاء الحرية الفنية.
حين يصعد مغن أو مغنية إلى الخشبة بألبسة ممزقة تكشف أكثر مما تستر، ويتلفظ بكلمات فاحشة أمام جمهور فيه أطفال وقاصرون، بل حين يشاهد وهو يتعاطى الحشيش علنا، فهنا لا نتحدث عن فن، بل عن عبث ممنهج يسوق على أنه ترفيه. هذه المظاهر لا تزرع سوى الفوضى في وجدان الناشئة، وتربك منظومة القيم التي تسهر الأسرة والمدرسة والمسجد والمجتمع المدني على ترسيخها.
إن الطفل الذي يرى هذا المشهد لا يملك أدوات النقد ولا حصانة الوعي، بل يستهلك الصورة كما هي، ويعيد إنتاجها في سلوكه وتصوراته، ظنا منه أنها أمرا عاديا.
وما يفاقم هذا الوضع هو غياب الرقابة الفعلية على المحتوى الفني المقدم في هذه الفضاءات، وغياب ميثاق أخلاقي يلزم الفنانين والمنظمين بحدود واضحة تحترم الذوق العام وتحمي الفئات الهشة. كما أن بعض وسائل الإعلام، بدل أن تلعب دورا نقديا وتوجيهيا، أصبحت تروج لهذا النوع من الفن، وتضفي عليه شرعية زائفة، بل وتقدمه كنموذج للنجاح والنجومية، مما يغري المزيد من الفنانين بسلوك نفس الطريق، طمعا في الشهرة السريعة والانتشار الجماهيري.
نحن لا نطالب بإلغاء المهرجانات، بل بإعادة توجيهها نحو الفن الذي يسمو بالإنسان، ويعكس تنوع الثقافة المغربية، يحترم القيم المجتمعية، ويمنح الشباب نماذج حقيقية للنجاح والإبداع. نريد مهرجانات تحتفى فيها بالكلمة الراقية، باللحن النظيف، بالرسالة التي تحاكي الواقع وتضيء المستقبل. الفن ليس مجرد إيقاع يرقص الجسد، بل هو نبض يوقظ الروح. ومن واجبنا كمجتمع أن نحصن فضاءاتنا الفنية من الانحراف، ونعيد الاعتبار للفن الذي يربي، لا الذي يفسد.
ولأجل ذلك، لا بد من اتخاذ خطوات عملية واضحة، أولها على المسؤولين إلزام الجهات المنظمة للمهرجانات بميثاق أخلاقي يحدد نوعية المحتوى الفني المسموح به، ويمنع كل ما يخالف القيم العامة أو يسيء للناشئة.
كما يجب تخصيص فضاءات فنية تربوية موجهة للأطفال والشباب، تقدم محتوى هادفا وممتعا في آن واحد. ومن الضروري أيضا تشجيع الفن البديل، الذي يحمل هموم المجتمع ويعبر عنها بلغة راقية، بدل أن يستورد خطاب فني لا يشبهنا ولا يخدمنا. وأخيرا، لا بد من إطلاق حملات توعية مجتمعية، تشارك فيها الأسر والمدارس والجمعيات، تحت شعار: “الفن مسؤولية، لا فوضى”.
إننا لا نرفض الفن، بل نرفض أن يستخدم كأداة لتفريغ القيم، وتغريب الذوق، وتضليل الأجيال. نريد فنا ينقذ، لا يغرق. فنا يربي، لا يفسد. فنا يضيء، لا يطفئ.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading