
_ بقلم : ذ . ادريس حيدر
إنه منتصف النهار أو ساعات الزوال الأولى ، من يوم حار و قائظ من شهر غشت .
درجات الحرارة جد مرتفعة ، تفوق :46 درجة .
و بين الفينة و الأخرى ، تهب رياح : ” الشركي” ، تلفح الوجوه و الأجساد المتعبة .
المدينة مهجورة ، و الأزقة فارغة ، إلا من بعض المارة ، الذين يتحركون ببطء شديد و كأن أرجلهم مشدودة بسلاسل تجر دبابيس .
مشهد يحيل على الصور التي تعاد على أجهزة التلفزيون ببطء قصد التمعن أو الاستمتاع بها .
وجوه العابرين متجهمة ، حزينة ، و تبدو عليها مظاهر التعب .
من أين أتى هؤلاء المشاؤون و إلى أين هم ذاهبون ؟ لا أحد يعلم كنههم أو مساراتهم أو أهدافهم .
بين لحظة و أخرى تهب من جديد رياح حارقة ، يتعالى معها الغبار ، مما يزيد من قلق هذه الكائنات .
البعض منهم يحتمي بالأزقة الضيقة و الرطبة للمدينة القديمة ، و آخرون يلجأون للاحتماء بظلال الأشجار و المباني .
و في الأراضي الفلاحية المجاورة لهذه المدينة المهمشة ،يكتوي الفلاحون بنار جهنم ، و كذلك عمال الأفران و الحمامات و عمال معامل الآجور …الخ .
يتواجدون في تلك الأماكن أشباه عراة ، و ببعض الألبسة المهترئة ، عبارة عن أسمال ، و يضعون على رؤوسهم طرابيش و قبعات مبللة درءا لإصابتهم بضربة شمس .
طنين الذباب الأزرق المنتفخ يُسمعُ في كل الأركان ، كما أن الحشرات تدب في كل مكان .
تفوح من البراميل المخصصة لإيداع الأزبال ، روائح كريهة .
بعض الطيور تتساقط من الأعالي ميتة بسبب الحرارة المرتفعة .
و أما الحيوانات الأليفة كالكلاب و القطط ، فوضعها دراماتيكي . تتحرك في كل الاتجاهات بألسنتها المدلات محتاجة إلى بعض الماء للارتواء من العطش فيما البعض الآخر منها تحت ظلال المباني ، تقريبا في حالة غيبوبة .
و أما النهر الأسطوري الذي كان يلف المدينة ، و يتردد عليه بعض من ساكنة المدينة بحثا عن بعض الرطوبة و عن انتعاش أجسادها من فرط الحرارة ، جَفَّ هو الآخر بسبب قلة سقوط الأمطار ( الجفاف) الذي يطال البلاد منذ سنوات ، مما يعني حرمان القاطنين بهذه المدينة من هذه الإمكانية البسيطة .
صمت رهيب ، لا أصوات ، لا ضجيج .
مدينة هجرها الناس ، إلا من بعضهم ، الذين يعبرون السبيل بأجسادهن المتهالكة و المرهقة و التي تكاد تُعلن نهايتها أو مَوتَها .