خيبة أمل و رِدَةُ.

2 أغسطس 2025

اليوم تحل الذكرى السادسة و العشرون لتربع ملك البلاد على العرش .
بقلم : ذ . ادريس حيدر
إذن لقد مر أكثر من ربع قرن و هو يسود و يحكم .
و بالتالي حُقَ لنا تقييم المرحلة و استخلاص أهم مخرجاتها .
فغير خاف على أحد ، أنه تولى الحكم بعد قرابة أربعة عقود لحكم أبيه الحسن الثاني ، و الذي كان عبارة عن مرحلة اتسمت بالاستبداد و انتهاك حقوق الإنسان .
و بالتالي ففي بداية حكمه ، إذن ، وجه خُطَباً كانت في أغلبها محملة برسائل و إشارات تُبَشِّرُ بحلول عهد جديد ، و منها :

  • خطاب الملك و المتعلق بالمفهوم الجديد للسلطة ، و الذي احتوى على مبادئ أساسية : تخليق الحياة العامة ، ربط المسؤولية بالمحاسبة ، تفعيل المفهوم الجديد للسلطة و الخدمة العامة ، تعزيز الشفافية و النزاهة في أداء المؤسسات و محاربة الفساد و ضمان حقوق المواطنين .

  • خطابه في ” أجدير” بتاريخ : 17| 10| 2001 ، و الذي ألقاه في :” أجدير” – إقليم خنيفرة – و كان قد ضمنه تصوراً جديدا بخصوص الهوية المغربية ، حيث أكد على أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية ، و أن النهوض بها يُعَدُّ مسؤولية وطنية .

  • إنشاء هيئة الإنصاف و المصالحة : يناير 2004 ، و التي كان الهدف منها : مساعدة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ، و النظر في كثير من القضايا : التعذيب و الاختفاء القسري و الاعتقالات التعسفية ، المرتكبة من طرف النظام خلال سنوات الرصاص من : 1956 إلى 1999، و أما أهدافها المُعلنة فهي : تعزيز حقوق الإنسان .

  • مدونة الأسرة : ظهير 3|12|2004.
    و كان الهدف من وضعها هو : النهوض بحقوق الإنسان و حماية حقوق الطفل و صيانة كرامة الرجل ، و اعْتُبِرَت المدونة لبنة في المشروع المجتمعي الديمقراطي و الحداثي .
    و خُطبُ أخرى ذات دلالات قصوى و أهمية بالغة .

ثم صاحب و رافق هذه المبادرات ، محاولة خلق انفراج سياسي عام ، و ذلك بالسماح بعودة الزعيم اليساري :” أبراهام سرفاتي ” من منفاه الاضطراري ب” باريس” ، و ذلك في دجنبر : 1999.
ورفع قيود الإقامة الإجبارية التي طالت مدة 10 سنوات في حق الزعيم الروحي لجماعة : ” العدل و الإحسان” ، السيد :” عبد السلام ياسين”.
كان الترقب كبيرا و الانتظارات أكبر ، كما كانت قد بدأت بعض نسائم الأمل تهب بعد انتكاسات و خيبات مقيتة .

و كان العالم العربي قد شهد في بداية العقد الثاني من هذا القرن مخاضا اصطلح عليه ( كذبا ) :” الربيع العربي ” ، و كان نصيب المغرب منها :” حركة 20 فبراير” المجيدة ، التي نادت بدمقرطة حقيقية ، و تحقيق الكرامة و الحرية للإنسان المغربي و المواطنة الكاملة .
و كان من نتائج هذه الحركة ، وضع دستور 1911، الذي و رغم علاته ، حمل في طياته كثيرا من المواد الإيجابية .
و آمن الجميع بل و صَدَّق ، أنّ مغربا جديدا بصدد التشكل ، قِوامه محاربة الفساد و حمايته من الشوائب التي كانت وراء تخلفه .
إلا أن تلك الأحلام تناثرت معً رباح واقع مرير ، ذلك أن مؤسسة الفساد و الريع عادت و أصبحت قوة ضاربة و حاكمة من خلال زواج المال بالسياسة ، و التحكم في اللعبة السياسية من خلال مؤسساتها المختلفة و المتنوعة : البرلمان ، الحكومة ، و كذا استصدار قوانين و مراسيم تحمي مصالحها ، و وضع دستور 2011 في ثلاجة الحوليات .

و الآن و تأسيسا على ما سبق ، فبعض ملامح الوضع في البلاد بعد 26 سنة من حكم الملك كالآتي :
– تعميق الفوارق الاجتماعية و استصغار و احتقار المواطن ، بما يمس كرامته و حريته و قوته .
– انفراط الثقة في الوطن .
– فرملة كل المحاولات الإيجابية ، التي تنشد التأسيس لمغرب جديد .
– نشر التفاهة و الضحالة في كل مشاهد الحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية .
لقد تحول ، إذن ، الحلم الجميل و الوردي إلى كابوس يجثم على الصدور .
لقد وقع تغير رهيب في قيم حقوق الإنسان و المواطنة ، بل أصبحت سلعة في سوق النخاسة و السمسرة و المزايدة .
و نتيجة لذلك كثرت الهجومات على الأصوات الحرة في الميدان الصحافي من أجل إسكاتها و تكميمها .
و زُجَّ في السجن بمئات من نشطاء حراك ” الريف” ، الذين لاذنب لهم ، سوى أنهم رفعوا مطالب مشروعة – كما جاء في إقرار الملك في إحدى تصريحاته الصحافية – تتعلق : بالحق في التعليم ( المدارس و الجامعة ) و التطبيب ( مستشفيات ) و التشغيل ( إنشاء معامل و مصانع ) .
لقد تأكد بالملموس غياب إرادة سياسية حقيقية لتجديد العقد بين الشعب و الحاكم على أسس عادلة و بالتالي كثرت الإحباطات و إفلات المواعيد مع التاريخ و انطفأت ، إذن ، جذوة الأمل .
و إنها لعمري خيبة أمل كبيرة و رِدَّةٌ حقوقية مريرة .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading