2 يوليو 2025

د- عبد السلام دخان :

تظل الحياة، في جوهرها مشدودة إلى مفارقة وجودية تنبع من توق الإنسان العميق إلى الحرية وحقوقه الكونية، في الوقت ذاته الذي ينغمس فيه في أحلام طوباوية تبدو وكأنها قصيدة ملحمية تكتب في زمن تضيق فيه الممكنات خناقها، بحيث يصير التمسك “فن العيش” مجرّد رغبة معلقة في فضاء المحال، ذلك أن الإدراك الحسي – بحكم محدوديته وانفصاله البنيوي عن الواقع الموضوعي – يحول كل محاولة لبناء نسق معرفي متماسك لفهم وتفسير الراهن إلى معضلة مستعصية، في حين يغدو تشييد ذاكرة للحظة، بكل ما تحمله من تشعبات وتناقضات، أمرا أبعد ما يكون عن الإمكان، لأن الإنسان، في نهاية المطاف، كائن أنطلوجي، لا يعرف إعادة عيش اللحظة ذاتها مرتين، ولا يملك سوى الترحال الدائم عبر ضفاف الزمن المتحرك.
وإذ تغدو إعادة تشكيل المألوف مرهونة بقوة جوهرية قادرة على انتزاع الفرح من دائرة الاحتمال النظري إلى فضاء التحقيق الملموس، فإن هذه القوة ذاتها تتغذّى من الأمل وتحول الطوباوية ذاتها من حلم مجرد إلى ممارسة يومية تنبض بالحياة.
وبذلك تصبح اللحظات الهاربة من قبضة الزمن مساحات صامتة لمقاومة صلبة، بينما تضعنا المواجهة المستمرة مع الزمن أمام شبح العدم، الذي لا يمكن محوه، لكنه يتحوّل بدوره إلى دافع للانعطاف عن السائد وابداع استعارات جديدة قادرة على فتح أفق المعنى من جديد. وحين يرتفع منسوب الأمل، يتخلص الحلم من الفراغ ليكتسب شرعية فعل يعيد تشكيل المشهدية المتحركة بعيدا عن صنمية الواقع، في علاقة جدلية مع الفجوة التي تفصل الذات عن العالم، والتي – على هشاشتها الظاهرة – تتحوّل إلى منبع للقوّة، تدفع نحو صيرورة مستمرة تحرر اللحظة من سجن التجريد، وتفتحها على فضاء الفعل الحيوي.
وبموجب ذلك يغدو الأمل ممارسة ثورية” غيفارية” تعيد رسم العلاقة مع الزمن، من خلال تحويل اللحظات العابرة، إلى مسار تتفاعل فيه الذات مع العالم، حيث يتحوّل تهديد العدم ذاته إلى طاقة خلاقة للإبداع، ليعاد تشكيل المعنى، بما يؤكد، مرة تلو أخرى، أن ارتفاع منسوب الأمل هو حصيلة تجربة أنطلوجية عميقة تذكرنا بأن الحياة، رغم ضيق أفقها الظاهر، تظل قصيدة ملحمية ننقشها، ونحولها إلى استعاراتها بصرية، فيتحول الحلم إلى امتداد عضوي للأمل، ونعيد بذلك نسج اللحظات المتشابكة مع الممكنات كي تصبح، في جوهرها، النبض الحقيقي للحياة ذاتها. وربما يتحقق هذا الحلم.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading