فراشة تحتضر

23 نوفمبر 2021

ذة ربيعة حميحم
كنت فراشة جميلة ، مزركشة  بألوان قزح ،  تتمايل خفة وجمالا ، تطير فوق السحاب  ، لكنها  وقعت  في شباك  صياد ماهر …..
كانت أسوار  جامعتي شاهدة على أقوى قصة حب ” علي وحنان ” كانت صديقاتي تنادينني بليلى  ويسألنني عن قيس  ويمازحنني : قيس لم يتزوج ليلى !!!!! فأغضب ……. فلا اريد مجرد تفكير  انني لن أتزوج عليا .
كنت  مفعمة  بالبهجة والانطلاق  ،  أغدق بحناني وعطفي على كل من حولي ……. عنوانا  للمرح  والتفاؤل ، وطبعا  فتاة أحلام  العديد من الزملاء . لكن قلبي الصغير كان مغلقا بالقفل ، ومفتاحه في حوزة  زميلي  “علي “.
كنت أرى فيه فارس الأحلام ، صاحب الحصان الأبيض ، الذي سيخطفني  إلى عالم بعيد .
كنت عنقاءا  تعانق السحاب ، لكن  أحلامي  بسيطة للغاية ، عش الأحلام  الهادىء ، و سقف بيت  يجمعني انا وهو ، وخبز وزيتون  يكفينا  للعشاء  …….. حبنا كان زهرة جميلة أسقيها بعطر  قلبي .
لكن الحكاية بدأت  تتخطى أسوار الجامعة ، ليتهامس بها المقربون ، كنت أطير بحبي له ،  وأطير معه إلى عالم الخيال والمعجزات  …… أستمد  منه قوتي وهمتي العالية  ، معه عشت  أحلى الأوقات وأسعدها ، فقررنا  أخذ خطوة عملية ، فلا بد  من إعلان  الخطوبة  ، وإخراس الألسنة …….لكن كيف ؟؟!!!!!
موجة  عالية  أكبر مني ، لكن لا بد ان أركبها  وأواجه أمي  وأبي ، وأن يرسو حبنا  على شاطىء  هادىء  ……
فاتحت امي ، لكنها  أطلقت صرخة الموت ، ولطمت خديها مستنكرة موافقتي على طالب ، لا زال مشواره طويلا …… وأنني سأكون أضحوكة العائلة ، كنت وحيدة أبواي ، ريحانة البيت ، كنت مدللة لحد الثمالة  …. أحلامي كلها  أوامر ،
كانت أمي تريدني ملكة متوجة في بيت الأحلام ، أن أكون مرتاحة ، ولكنها أحكام القلب النافذة ولا يد لنا فيها ، لم تكن الماديات تهمني ، كنت أرى فيه  الرجل الشهم  الذي سيحميني من غدر الزمان ، مستعدة للعيش  المر قبل الحلو ، المهم  أن نكون  معا  جنبا إلى جنب  مدى الحياة …..
كل الأبواب أمامنا مغلقة ، لكن همتنا عالية وخليقة بأن تفتح كل موصد .
كنت أعول على أمي  كي تقنع أبي ، لكن موقفها كان حاسما .
قطعت كل الخيوط ، مهددة  بترك  البيت  إذا وافق  على الخطوبة….
لكنني لم أيأس فأملي كبير في  والدي ، سندي وظهري ومخزن أسراري .
جلست بجواره كقطة وديعة ، أنتظر  انتهاءه  من الصلاة ، قلت له مازحة ،  لقد رأيت لك حلما جميلا هذه الليلة ، فقال مستبشرا : صحيح هيا بشريني
قلت رأيتك خيرا وسلاما ، نازلا من درج طويل ، وأنا أتبأبط ذراعك لتسلمني لشخص ، بيديك هاتين وقبلت يديه .
قهقه أبي ، ودخل في نوبة ضحك عالية قائلا : إذن هناك شخص يريد التقدم  لك ، هذا صحيح أم لا؟؟؟
أجبت على الفور : نعم  ويريد موعدا ليتعرف عليك انت وامي. لكني  أريد معرفة بعض الأمور …… وقفت بسرعة ، وقلبي يترنح ، وقلت له : هو زميلي ،  ولا يملك شيئا ، لكنه متمسك بي ونطمع في خطوبة رسمية ، والزواج الى حين ميسرة .
صمت أبي برهة من الزمن ……. فقلت متوددة : أنت دائما تنحاز للفقير ، أسمعك تقول ، أن  من حقه ان يعيش ويتزوج ويحلم …….  قال: بلى .
وقعت المعجزة ، وتمت خطوبتي  على علي . وأخيرا لبست  خاتم  الخطوبة ،
أما أمي ، فالموضوع  بالنسبة لها  كارثة بجميع المقاييس …… فقد كانت تتمنى  لي ، شخصا جاهزا بكل مصاريف الزواج ، لا أن  يستلف ثمن دبلة الخطوبة ، وتابعت بازدراء  شديد ، أن العائلة كلها ستتحدث  عن خيبتي الثقيلة ، لم أكثرت  لكل  هذا  الكلام أبدا .
دخلت كليتي ، ويدي  متشابكة في يد علي ، وأشير للخاتم لكل من يصادفنا  فيبارك  ويهنأنا .
المهم  اجتزنا العام بنجاح ،  وحصلنا على شهاداتنا الجامعية ، وبدأ  “علي” في طرق مسالك المباريات والوظائف ، لكنه يقابل بالرفض .
بدأ أبي يعترض  على خروجنا سوية …… ويطلب مني ان نعقد قراننا ، لكن كيف ؟؟؟ وهو لا يملك  مهرا ، ولا أي شيئ ….. بدأت أمورنا تتعقد  فلا يمكن للخطوبة أن تمتد لأكثر من هذا . أما أمي  فبدأت مهمتها في التحريض،  إما  أن يعقد القران  او تفسخ الخطوبة ……
اكتشفت أن جذور حبنا  معلقة  في الهواء ، وأنه موؤود منذ ولادته .
كنت أرى نظرات انهزام  في عيني علي ، وذبول فؤاده ، لكن العين بصيرة واليد قصيرة ، بدأ اليأس يلج دروب قلوبنا ، وبدأت الأحلام تتكسر  على شاطئ ملغم.
سحب مثقلة من الهموم  تراكمت علينا ، لا بد من مرفأ قريب.
إلى أن جاء يوم الحسم  فقد قرر  علي الهجرة  الى  إسبانيا …… اعترضت في البداية ،  لكن ماباليد حيلة ، فكل الأبواب موصدة ، ولا سبيل  من إنقاذ حبنا الغريق إلا بالإبحار عبر سفن الموت وزوارق المجهول .
توادعنا …… أحسست بغمة بالغة ، وكأن  روحي  ذهبت  معه ، انشطر  قلبي شطرين ، لم يعد لحياتي طعم من دونه ، شعرت أن الدنيا تتلاشى من أمامي ، لكن  أملي في  انفراج  أكيد ، كان  يعزيني ويقويني ، نار الأشواق تلتهمني ببطئ .
ومرت الأيام …… وبدأت تأتيني أخبار  جميلة ، تثلج الصدر  وتعزيني  عن فراق نصفي  الثاني ، كنت أمني نفسي بلقاء  قريب ،  يضمد لوعة الفراق ويداوي جراح الغربة .
كنا نتواصل يوميا ، أشجعه  ويشجعني ، أناجي طيفه  ويناجيني ….. أشم  عطره  في كل مكان .
لم أكن أعلم  ماتخبئه  لي الأيام ، زلزال  كبير ضرب الفؤاد  فقسمه شطرين ،
فقد تطايرت  شائعة  زواجه بأجنبية . لكنني كذبت  الخبر ، لا يمكن  لفارس أحلامي أن يفعل هذا !!!!!
اتصلت به فورا ،  ظننته سيبرر فعلته ، وبأنه زواج أبيض غرضه مصلحتنا ، ومن اجل تيسير  زواجنا ، لكنه لم يقل شيئا من هذا القبيل ، بل كان على استعجال من أمره ،  و تمنى لي حظا سعيدا مع شخص غيره .
يا إلهي هل هذا هو علي ؟؟ الذي  تحديت به العالم ؟؟؟  كيف راهنت على حصان خاسر ، رصاصة  أصابت قلبي فمزقته  وأردته شهيدا ، لم أسمع شيئا  من كلامه أو مبرراته الواهية ،
دخلت في نوبة  هستيرية  من الصراخ …….
لم أتصور يوما أنه سيبيع حبنا بهذه السهولة ، لم اتصور أن ماكان بيننا مجرد وهم ، قنبلة ذرية ، نسفت  كل الآمال ……. هل ماعشته كان حقيقة ؟ أم مجرد سراب .
كيف سمحت له نفسه ان يتخذ خطوة كهذه …..
كيف استطاع ذبحي من دون مشورتي ، كيف باعني في لحظة مصلحة  واشترى غيري .
تمنيت لو طلب  مني الانتظار ،  كنت سألبد  في قراري  المكين  ،  لكنه مزق كل الأوراق ….. قطع يدا  امتدت له بالحب والعطاء ……. ومزق  سنينا  من الوعود
أصبحت  وزرا ينقض ظهره ،  فقرر التخلص مني ، قطع جميع الطرق وضيع معها أحلى سنين  عمري ، أحسست أنني  أموت ، وأنين جرحي يمزق الظلام  …..
سقط المعبد على رأسي ، بعد أن بنيناه سوية حجرا حجرا ،
لن أستطيع  العيش من دونه ، لوعة ومرار  لم أحس بنفسي إلا  في المستشفى
نار اشتعلت في روحي ،  لتتهتك وتهرأ ، طردني من جنته المزعومة  التي ملأها  وعودا زائفة .
اعتذرت لوالدي ، عن كل ماسببته  لهما من ألم  غير  مقصود  نتيجة  ثقتي العمياء ، في شخص انتهازي من الطراز الرفيع، قطار  يدوس على مشاعر الآخرين ، لا يتوقف  الا في محطة  تكون  فيها مصلحته.
ياللفظاعة ماكنت أتصور أبدا هذه النهاية …  كان أيسر علي أن  أسمع خبر موته ، لا بزواجه من أخرى  ……..
هموم أرخت  سدولها  علي ، لأغرق في بحر الكآبة ، جفت مقلتاي من الدموع وزاغت نظراتي ، كفرت بآلهة الحب وحطمت تمثالها ،  احترقت الفراشة بوهج  الحب
واكتوت بناره ….. فراشة جميلة لكنها حشرة لا أنياب لها ولا مخالب ،  سعت للنور وفيه الفناء.
فراشة وهنت و تكسر جناحها فذابت  في بحر الأحزان ….  ذبلت ورود قلبي وشاخت .
اعتكفت في محراب بيتي لا أكلم إنسيا ، هجرت كليتي ودروسي  وصديقاتي ، ظننت أن الكل يعرف حكايتي ، ويشير  إلي بالبنان ، ويقص ما جرى لي ، ظننت  أن الكل يشمت بي ، تكسرت الأحلام ، على شاطئ مرير ، لا أدري كم لبثت على حالتي هذه ، لكنني  لملمت  جراحي ، ونهضت …… خرجت من كهفي المظلم  لأعانق  النور من جديد ، نفضت  عني غبار الخيانة ، دست على أشواكي . قطفت ورود الحياة الجديدة ، جددت  جلدي الناعم بآخر ملئ بالأشواك !!!!!
لابد للعطاء  من حدود ، ولابد  وان يكون للعقل عيون ترى …….
ولابد  من رفع حجاب  القلب حتى لا يعمى .
ولا بد لبصيرة  قبل البصر  ، سحقا لكل دنيىء تلاعب بمشاعر أنثى أو العكس . نزعت رداء الشوق ، وانبعثت كبيضة الفينق  من الرماد ، لن أكون فراشة بعد اليوم ……
قررت الإبحار  بعيدا  واخترت  مرساي ومرفئي  شاطئ السعادة  بدون  هموم ولا كدر ، غسلت قلبي بماء البرد ودفنت أحزاني وانطلقت .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading