
د. عبد السلام دخان
الحب اعمق من كونه مجرد شعور جارف أو عاطفة تقليدية كما يظن البعض، إنه يكمن في التفاصيل الصغيرة التي تمنح الحياة معناها، في المواقف النبيلة والسلوكيات الرفيعة التي لا تُرى بسهولة. الحب يسكن في ابتسامة صادقة، في كلمة تلامس القلب، في التغاضي عن أخطاء الآخرين، في الابتعاد عن كل ما يعكر صفو العيش، وفي الميل نحو الهدوء والسكينة. وقد نجد الحب أيضًا في الفن حين يكون نقيا وخالصا. في رقصة باليه آسرة من عمل تشايكوفسكي “بحيرة البجع”، أو في نبرة الحنين العميقة التي تشع من أغنية “لقد ذهب الشوق” ل”بي بي كينغ”، أو في ذلك الموال الأبوي الذي يؤديه حاتم العراقي، محملا بالدفء والشجن. كل هذه اللحظات هي تعبيرات صادقة عن الحب في أشكاله المختلفة. وفي القصص والأساطير، يطل الحب من زوايا التراجيديا التي تمجد المشاعر الإنسانية، أو من خلال الحوارات الذكية والعلاقات المعقدة في أفلام “وودي آلن”، حيث يمتزج الحب بالتفكير، والقلق، والرغبة في الفهم. إنه أيضا في رقصة “سالسا” حيوية تتناغم مع الإيقاع، أو في حركة راقصة عفوية في شارع مكتظ بالحياة، أو حتى في أمسيات أغسطس الدافئة، حين يمر الليل خفيفا مثل الحلم.
الحب حاضر في الحياة اليومية بكل تواضعه: في فطور تعده الأم العظيمة، في حكمة أب ترشدنا نحو الصواب، في دفء أخت لا تنتظر شيئًا مقابل دعمها، في جيران فضلاء يحيونك ببساطة، أو في عزلة هادئة ليوم أحد لا يحمل ضجيجا.
يتخذ الحب وجوها كثيرة، ويتغير كما تتغير الحياة نفسها. يرافقنا في كل مكان، في لحظات الضوء والظل، ويمنح الأشياء معناها الخفي. إنه “فن العيش”، كما يسميه البعض، حيث تصبح الحياة ذاتها لوحة متحركة من العاطفة والرقة والبصيرة. وربما، في النهاية، يكون هذا الحب هو السرّ الحقيقي لجمال العالم، والنور الذي يجعلنا نرى السماء زرقاء كما يجب أن تكون.