ذ : إدريس حيدر :
كانت المدينة كما باقي الوطن تشهد غليانا نتيجة تعبئة السكان من أجل المطالبة بالاستقلال.
كثرت الاجتماعات في المنازل و المساجد و التي كانت أحيانا تطول إلى ساعات متأخرة من الليل ، حيث كانت تُجْمَعُ التبرعات المالية بغية إرسالها للفدائيين قصد مساعدتهم و كذا لشراء معداتهم بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى قيام بعض الشباب بأعمال بطولية ،بسرقة الأسلحة من منازل الضباط و من الثكنة الرئيسية في المدينة و بعثها للمقاومة المسلحة .
و كان كلما وقع حدث من هذا القبيل ،إلا و استنفرت القوات الإسبانية الاستعمارية ، و انطلقت في حملات اعتقالات و استنطاقات من أجل الوصول إلى الفاعلين الحقيقيين و من معهم.
و كان جيران السيدة ” مارغريت ” ،قد لاحظوا تردد ضابط بعينه على منزلها و كان هذا الأخير قصير القامة مكتنز الجسد و منتفخ الصدر و متطاوس المشية، و كان القوم قد ارجعوا ذلك التصرف إلى كونه عادي و هو من صميم عمل الأجهزة الأمنية و المخابرات الاستعمارية .
و لوحظ أيضا أنه عند إلقاء القبض على أحد الفدائيين أو الوطنيين ،كانت السيدة ” مارغريت ” تغيب عن الحي لمدة غير محدودة ، و كذلك وجد الجيران لها اعذارا و مبررات مفادها أنها تخاف الاحتقان و تصدع العلاقة بين المغاربة و الإسبان و هذا ما كانت تمقته.
و في إحدى صباحات فصل الشتاء الباردة لستة 1955 ،لاحظ أحد المارة بالقرب من منزلها انسياب بعض الدم من تحت بابه.
تجمع الجيران و بالرغم من صياحهم و مناداتهم عليها ،لم يُفْتَحْ بابُ منزلها.
فتم الاتصال حينئذ بالجهات المختصة التي انتقلت إلى عين المكان و كسرت باب منزل السيدة ” مارغريت ” بعد حصولها على الإذن بالولوج.
وكانت مفاجأة الحاضرين مروعة بمجرد دخولهم المنزل، إذ وجدوا السيدة ” مارغريت ” مذبوحة من الوريد إلى الوريد .
وقع مسح أمني للمنطقة برمتها و اتخذت إجراءات مشددة من أجل إيقاف القاتل الحقيقي و من معه ، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل .
و بعد استسلام و يأس القوات الأمنية من الوصول إلى الفاعل الرئيسي للجريمة، أثار انتباههم غياب صاحب دكان المواد الغذائية ” المقابل لمنزل الهالكة ، و المسمى ب ” دا الحسين “.
كان هذا الأخير قصير القامة ،يرتدي في الغالب ملابس تقليدية مغربية و يضع دائما على رأسه ” طاقية ” ، و كان وجهه قد عَلَتْهُ كثير من التجاعيد ،كما أنه كان قد فقد كل أسنانه و أصبح فمه اجوفا.
عُرِفَ بوطنيته الكبيرة ، و كان مدمنا على الإنصات لمحطة ” صوت العرب ” من القاهرة التي كانت تذيع برامج خاصة عن
حركات التحرير في المغرب الكبير.
و كانت الألسن تتناقل همسا ،أنه جاء فارا من مسقط رأسه:” اشتوكة آية باها ” بعد تصفيته لأحد الخونة المتعاونين مع الاستعمار.
يتبع…
تشكيل : إدريس حيدر