
ـ ذ. عبد المالك العسري :
في مدينة ينساب عبق التاريخ من أزقتها، ويهمس الحنين في جنباتها، نهض النبض من جديد… من قلب القصر الكبير، حيث لا تزال الأرواح الطيبة قادرة على أن تنسج من الحلم دفء واقع، ومن الألم بذرة أمل. هناك، في زاوية منسية من الخريطة، لم يكن الصوت المرتجف لطفل يعاني صعوبات في التعلم يُسمع كما ينبغي، حتى أطلّ العطاء من عيني رجل آمن أن الإنسانية لا تكتمل إلا حين تُصغي للضعفاء.
الدكتور مصطفى بنيعيش لم يزرع فقط لبنة جديدة في جدار المدينة، بل غرس وردة في قلب كل طفل مهمّش، في كل أم أثقلها القلق، في كل أب يبحث عن فسحة رجاء. لقد جاء مركز السعادة لا كاسم عابر، بل كحالة وجدانية تعيد صياغة العلاقة بين المجتمع والطفولة المتعثرة، بين اللامرئي والمرئي، بين الاحتياج والاستجابة.
حفل الافتتاح لم يكن احتفالًا روتينيًا، بل كان نشيدًا من المحبة يعلو، يصفق له جدار المدينة المتعب، ويبتسم له الزمان. أتى الوفد الرسمي، ومشى الجميع بين الجدران الجديدة، لكن ما رأوه لم يكن مجرد إسمنت مطلي بعناية، بل كان حكاية مكتوبة على جبين الأمل، حكاية رجل وفريق، جمعهم الإيمان بأن الكرامة حق لا يُمنح بل يُنتزع بحب، بالصبر، بالعلم، وبمبادرة شجاعة.
ضحى العبودي، الأخصائية ومديرة المركز، لم تكن مجرد متحدثة في لحظة رسمية. كانت صوتًا لقلوب صغيرة لم تتعلم بعد كيف تعبر، وكانت شاهدة على معجزة اجتماعية تتخلق في صمت، بدعم من نساء ورجال صدقوا أن لكل طفل الحق في أن يحلم، أن يخطئ ويتعلم، أن يتلعثم دون أن يُقصى.
مدينة القصر الكبير لم تكن بحاجة إلى مركز فحسب، بل كانت بحاجة إلى إشعال شمعة في العتمة، إلى رجل مثل مصطفى بنيعيش ليقول — بالفعل لا بالكلام — إن العطاء ليس موسمًا، بل موقف. إن المبادرة ليست واجبًا، بل نداء داخلي يسمعه من يملك قلبًا حيًا.
وهكذا، في زمن تكاد فيه القلوب تجف، استيقظ المعنى الحقيقي للعطاء… على وقع خطوات أطفالٍ سيدخلون هذا المركز لا ليُعالجوا فحسب، بل ليُحبّوا، ويُحتضنوا، ويُقال لهم: أنتم تنتمون لهذا العالم، وأنتم تستحقون السعادة… تمامًا كما يُحِب الله أن يكون الإنسان.