حلقات رمضان وكتاب: رحلة في الفكر والتأمل
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
من تأليف :د عزيز الهلالي
- الحلقة :13 النظرية السياسية النسوية
وبما أن النظرية السياسية تهتم بتوترات الوقائع العملية للحياة، فإنها تتطلع إلى إعادة بناء قيم أخلاقية وكونية منسجمة مع الخير الأسمى، وهذا الانسجام لا يتحقق إلا عبر الارتقاء بمفاهيم تخص الدولة والمجتمع والحياة السياسية للمواطنين وسلوكاتهم وأفكارهم. فإذن، النظرية السياسية هي نظرية حول ما هو سياسي وعملي.
لكن ما علاقة النظرية السياسية بالمرأة؟ وهل يمكن أن نفصل العلوم على مقاسات نسوية؟
لقد انتقدت النظرية النسوية مجموعة من الحقول المعرفية والابستمولوجية والجمالية والقيمية. ومن خلال نقدها لهذه الحقول، فإنها تسعى إلى أن تحظى بحضور يدعم كينونتها الحقوقية والسياسية والاجتماعية والتشريعية. ولهذا فإن النظرية السياسية النسوية تصارع من أجل الاعتراف والتغيير السياسي. فالنظرية السياسية النسوية “لا تسعى إلى فهم العالم بل إلى تغييره”. والتغيير المنشود، يبتغي خلق توازنات مبنية تشريعيا وثقافيا، انطلاقا من النقد وإعادة البناء الفلسفي لمفاهيم تخص الاستقلالية والديمقراطية والإنصاف والعدالة التي وضعت تحت مقاسات وترتيبات ذكورية.
تروم النظرية السياسية النسوية، الكشف عن المآزق والاختلالات الكامنة بالمؤسسات السياسية والاجتماعية. كما أنها تسعى، إلى جعل العالم المعيش أكثر إنصافا واكتمالا وعدلا. وما الفعل السياسي الأرسطي، سوى فعل لمساءلة الخير حيث “يتكامل مجتمع الخير مع السياسة الخيرة”.
إن النظرية السياسية تهتم بالعيش الجماعي: كيف نتعايش مع الآخرين، كيف نمد جسور التعاون والتفاعل والحوار، وكيف يمكن ممارسة التدبير الجماعي للحكم الديمقراطي، خصوصا وأن “فكرة الدولة الحديثة والسيادة الداخلية وسلطة الاختصاص العليا، مجالها الإقليمي هو موضوع النظرية السياسية المعيارية”. فالنظرية السياسية مدخل أساسي للخطاب النسوي، من أجل إعادة بناء الحياة أو العالم المعيش وفق قواعد ونظم تراعي التبادل المساواتي والتفاعل الأخلاقي.
نسجل إلى أن السيرورة النسوية لم تقم على الهدم المطلق، بل قامت نظرياتها السياسية على النقد والمراجعة. فقد نقدت الليبرالية وتلونت بلونها. وانتقدت الماركسية ولبست عباءتها. وانتقدت الوجودية واسترشدت بنورها. وانتقدت الحداثة وتفاعلت مع بعض قيمها.