ذ. الخليل القدميري
رأيت قبل السحر، حين هممت بتشكيل قصة قصيرة من وحي الخيال، أن لغتي نفسها تُجاوِزُ ذاتها فتُفْضي أحياناً ببعض أسرارها، وكأنه لا يمكن لغيرها أن يتحدث عنها كما تتحدث هيّ عن نفسها. وأدركت، في الوقت ذاته، أن لغتي تكاد تقارب مستوى المحسوس والمعيش الفردي حيناً، ومستوى الجوهر والأسئلة الحارقة والمصيرية والمثل العليا حيناً آخر. وخيل لي أنني قادر على أن أخوض أحياناً في نقط التقاء هاذين المستويين وتجاوزهما في آن واحد.
أدركت حينها أنه من علامات عيب الإنسان أن يقتصر في اكتساب المعرفة على حواسه الخارجية التي لا تتعدى ظواهر الأمور، وهي محصورة ومحدودة وكل ما تتناوله محصور ومحدود، وهي خداعة، فأغلب ما تُحِسّه خداع. أما الحواس التي لا تستند إلى البصر والسمع والشم واللسان فهي في عرف الناس أوهام وترهات وأضغاث أحلام.
ولو أسْرَرْتَ لِأَحَدِهِمْ بأن لك عيناً باطنيةً وأُذُناً ليست من لحم ودم، وأنك بالتأمل الصامت والسكون قد تُبْصِرُ ما لا تبصره العين وتسمع ما لا تسمعه الأذن، لو قلت له ذلك، لرماك بالطيش والجنون، أَوَ ليس مَن يبصر ما لا يبصره الناس ويسمع ما لا يسمعون إلا أن يكون مجنوناً في عرف الناس…