
بقلم : محمد نبيل العلمي :
في رحاب شهر رمضان المبارك،يستحضرني حنين مؤرق وشوق جارف إلى الزمن الجميل،زمن رمضان في مدينة القصر الكبير،حيث كانت طبول الطبالين ونغمات الغياطين وأبواقهم تملأ أرجاء المنازل والساحات،وتتردد أصداؤها في كل الأزقة.
كان شهر رمضان في ذلك الزمان الغابر بمثابة عرس بهيج لأهل القصر الكبير،لا تنقطع أفراحه ولا تتوقف لحظاته المبهجة.كان سكان الأحياء والدروب يعيشون كعائلة واحدة،يتقاسمون ما لديهم من مشروبات وأطعمة لذيذة،ويتبادلونها،استشعارًا لما يقتضيه هذا الشهر الكريم من مبادرات إنسانية وميل إلى الكرم والإحسان والتقوى.
كانت نساء المدينة يتنافسن في إعداد أشهى أنواع الخمائر والفطائر، أمام أعين الجميع في أرصفة الدروب، حيث تضع إحداهن فرن “المجمار” وأكوام الحطب بجانبها، وتعد أشهى أنواع الفطائر، بينما يستمتع المارة بالنظر إليها واستنشاق رائحة الفطائر الشهية.
كانت ليالي رمضان في القصر الكبير صاخبة، تعج بالحركة واللحظات الحميمية، وفي كل الأحياء، كان الناس يشهدون لحظات الفرح والتسلية، ويجتمع الأطفال، ذكورًا وإناثًا، للسمر وتبادل أمتع الألعاب، كالغميضة ولعبة سبسبوت.
تمر الأيام سريعة،وتتوالى الأحداث،وكل يوم يحمل في طياته شيئًا جديدًا.ولكن،تغيرت الأحوال،وتخلى الناس تدريجيًا عن مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك،وخلت الدروب من أفران “المجامر” في الهواء الطلق،وأصبحت خالية من مرح الأطفال وألعابهم التي كانت لا تمارس إلا في رمضان،كالفوانيس المصنوعة بأيديهم،وهي عبارة عن قنينة بلاستيكية تتوسطها شمعة مثبتة في قصبة بها عربة من علب القصدير.
ما أجمل أيام رمضان في ذاكرة مدينة القصر الكبير،التي لا تزال تحتفظ بذكرى الأجواء الرمضانية الساحرة وعبقها العطر،وتضامنها الروحاني الخالص لله عز وجل.
.