
– ذ. ادريس حيدر :
نزل علي خبر ، انتقال ذة.” سعاد الطود”إلى الرفيق الأعلى ، كالصاعقة .
لقد ترجلت الحياة في صمت و دون استئذان . و لقد سبقها إلى نفس المصير ، قبل بضعة أيام ، صديقنا المشترك ذ. ” محمد السكتاوي” .
ترتد علاقتي بالمرحومة ، إلى السنوات الأولى من التعليم الثانوي .
كانت رحمها الله و بالرغم من حداثة سنها : هادئة ، رصينة ، صموتة ، ذكية ، نجيبة و تميزها فطنة لا تخطئها العين و الإدراك .
كذلك قروءة بنهمً كبير ، لنصوص من التراث و كذا مستوعبة للأوضاع السياسية و الإجتماعية للبلاد و العباد .
و يقينا أن المراجع و المؤلفات التي كانت تنهل منها أكبر من ستها و مستواها ، و لعل مرد ذلك إلى التربية التي تلقتها و بيت العلم و الوطنية الذي ترعرعت فيه .
بعد ذلك ، فرقت بيننا السبل ، إلى أن التقينا من جديد في مدينتنا العريقة و العتيقة :” القصر الكبير “.
عملت كأستاذة لمادة الفيزياء و الكمياء ، و عُرِفت في الأوساط التعليمية بإخلاصها في عملها ، و بقربها من التلاميذ و بنزاهتها في العمل ، و لم يكن ذلك غريبا على إنسانة شامخة .
و حسب ما علمتُ ، فقد كانت تتابع الأوضاع السياسية المغربية والعربية في زمن سُمِي ب”الجمر و الرصاص” بشغف لكونها كانت ذات حس وطني و قومي عاليين ، كما أنها كانت تعبر عن آرائها السديدة ، و التي كانت تنتصر فيها للحرية و الكرامة .
ومن نافلة القول التأكيد على أن رسالتها التي كانت قد بعثتها لي ، بمناسبة فوز اليسار في مدينتنا ، فوزا كاسحا في الانتخابات البلدية لسنة 1997( و التي لن أنساها ما حييت ) ، ملأت وجداني حبورا و غبطة ، ذلك أن مضامينها بعد تهنئتي ، كانت كلها إشادة بالحملة التي خُضتها و التي طبعتها : النزاهة و النقاش المجدي حول أوضاع البلاد و العباد ، و اعتبرت هذا الفوز إيذانا بالتحاق فرسان هذا الوطن بالركح السياسي الوطني ، و أن الأمل معقود عليهم .
و توالت الأيام ، إلى أن فاتحتني ذات سنة ، في موضوع كان يؤرقها ، و هو تأسيس إطار نسائي للنهوض بأوضاع المرأة .
و أتذكر أنها انفتحت و استشارت كل ألوان الطيف السياسي و الثقافي بالمدينة .
و كنتُ قد رافقتها في هذه الفترة ، بل و عَمِلتُ بمعية بعض الفضلاء لإنجاح محطة التأسيس ثم الانطلاق في العمل .
و بالفعل كانت هذه الجمعية بمثابة منارة تُضيء سبيل نساء المجتمع نحو أفق رحب ، تتحقق فيها بعض من أهدافها .
من جهة أخرى كانت الجمعية بمثابة إطار تربوي للنساء ، و قد شاركت هذه الأخيرة في ندوات محلية و إقليمية و وطنية .
و لعل اختيارها لاسم الجمعية :” الأنوار ” يحمل في طياته مضامين جد إيجابية و دلالات تاريخيّة إيجابية رفيعة .
و لا أنسى أنها انتسبت لمنظمة العفو الدولية في بداية تأسيسها هي الأخرى ، حيث ساهمت بآرائها النيرة في عديد من اللقاءات و الورشات .
و كان آخر نشاط شاركنا فيه معا ، هو الإعداد لتأبينية الوطني الراحل : ” العقيد الهاشمي الطود ” ، و قد تركت تلك الفعالية آثارا طيبة في نفوس أفراد عائلته و الرأي العام ، كما أنها تركت صدى رائعا على المستوى الوطني .
إن وفاة ذة. ” سعاد الطود ” يعتبر رزية لأفراد عائلتها و لكل محبيها ، و كذا فإن هذا الفقد جلل ، و ترك حسرة كبيرة لدى مكونات المجتمع المدني ، باعتبارها أيقونة الفعل الجمعوي ، و مربية الأجيال ، و المنافحة عن حقوق المرأة ، و الوطنية الغيورة .
فخالص العزاء لأبنائها و أمها و إخوتها و لكل أفراد العائلة و عزاؤنا واحد نحن أصدقاءها و محبيها و صبرا جميلا للجميع .