في بداية الثمانينيّات كانت الانتخابات تجري بالنظام الفردي، وكنت أنتمي إداريا للدائرة 1 التي كانت تشمل جزءا من حي المجولين وجزء من حي المطيمار، في مدينة القصر الكبير.
الدائرة الأولى كانت لها رمزية خاصة لأنها تحمل رقم 1، وكذلك لأنها كانت دائرة عدد من أعلام القصر الكبير كالمرحوم (عبد السلام بوخلفة)، والحي الذي تسكنه عائلة المرحوم محمد بوحيى.
الدائرة 1 كان يترشح فيها السيد ( الحاج احمد بلعربي )، عن حزب الأحرار، وظل ينجح فيها كل مناسبة انتخابية، حتى قرر ذات عهد التوقف عن الترشح.
في الانتخابات الجماعية لسنة 1983
ترشح الحاج احمد بلعربي كعادته ممثلا لحزب الأحرار، وترشح كذلك إبن الحي ( أنور المرتجي ) عن حزب الاتحاد الاشتراكي.
كان الاتحاد الاشتراكي في أوج توهجه النضالي، كما كان أنور المرتجي يحضى باهتمام عدد من شباب الدائرة 1، وكنت أنا واحدا منهم.
لم أشارك في الحملة الانتخابية إلى جانب أنور المرتجي احتراما أومجاملة للحاج احمد بلعربي، ولكن ناضلت بكل الطرق من أجل هزمه ونجاح أنور المرتجي.
كنت متأكدا بأن الاتحاد الاشتراكي سيفوز بالدائرة 1 بدون منازع.
في يوم الاقتراع، كنت أنتظر رؤية أثر هزيمة حزب الأحرار في عينيه والانتشاء بفوز الاتحاد الاشتراكي.
انتظرت، وبعض أبناء الحي، طويلا ليظهر الحاج احمد بلعربي وهو يتأبط دفترا.
اقترب منا وتحلقنا حوله نستطلع النتائج التي كانت مدونة في دفتره بشكل دقيق.
فتح الحاج احمد بلعربي دفتره ونظر في اتجاهي مباشرة بعينيه في عيني وقال:
( الرجال بالرجال والرجال بالله ) أولد الوهراني، لقد نجحت وبفارق كبير عن المركز الثاني.
سد الحاح احمد دفتره وهو لازال ينظر في عيني، ثم أشاح بوجهه عني في اتجاه باب منزله ليدخله مزهوا بانتصاره.
منذ ذلك الوقت، كلما أسمع هذه القولة( الرجال بالرجال والرجال بالله ) أتذكر الحاج احمد بلعربي وأتذكر الاتحاد الاشتراكي، وأتذكر آخر مرة دخلت فيها مخدع التصويت.
ظل الحاج احمد بلعربي، أطال الله في عمره، رجلا ليس ككل الرجال، بكرمه وأريحيته وتواصله الراقي مع أبناء الحي…وفقد الاتحاد الاشتراكي الكثير من رجالاته في مدينة القصر الكبير، قبل أن يفقد الكثير من توهجه.
وظللت أنا في كل مناسبة انتخابية أتذكر مقولة ( الرجال بالرجال والرجال بالله ) التي أصبحت درسا اهتدي به في حياتي الاجتماعية والإنسانية بعيدا كل البعد عن السياسة.
إحاطة مهمة:
في هذه الانتخابات يصلح ترديد مقولة؛
(هزلت حتى شابها كل مفلس)، إلا فيما ندر.