بانوراما… موت السياسة

14 نوفمبر 2021

لعل المتتبع للشأن السياسي المغربي و خاصة بعد انتخابات : 08|09|2021، سيلاحظ ارتباك الفاعل السياسي المغربي ،مما ينعكس سلبا على المشهد السياسي بل و يجعله غير ملائم للفترة الحرجة التي تمر منها البلاد .
و من أجل إبراز هذا الاختلال وجب التأمل في ( بانوراما ) في بعض المشاهد و منها :
– لقد تم الترويج للفكرة القائلة بأن الانتخابات الأخيرة أفرزت قوى سياسية يمينية ومحافظة( الأحرار ،الأصالة و المعاصرة و الاستقلال ) ، من أجل قيادة البلاد لفترة انتدابها ، مستفيدة من أخطاء الحكومة التي سبقتها و وضع حد لهدر الزمن السياسي .
إن نتائج الانتخابات فاجأت الجميع ،لأن هذه التشكيلات السياسية اكتسحت المواقع التمثيلية و بالتالي وضعت يدها على المجالس : الحضرية ،الإقليمية ،الجهوية و البرلمانية .
و قيل آنذاك أن هذا الإفراز الانتخابي ،سيساعد على الإنسجام في الأداء بين فرقائها و بالتالي ستحقق نتائج إيجابية ، خاصة و أن المغرب تنتظره أوراش استراتيجية و تحديات كبرى.
و في إطار ” التهليل ” و زف التجربة الجديدة بما يليق بها ، كيلت للتي سبقتها و ذات “المرجعية الإسلامية ” ، كثير من الأنتقادات .
و يقينا أنها حملت نقائص منها الردة الحقوقية و التي تميزت بالهجوم الشرس على الحريات الفردية و الجماعية ، و تمرير قوانين و قرارات أصابت تطلعات شرائح مختلفة من المجتمع في مقتل.
غير أن هذه اللوحة التي رسمت بدقة و بألوان زاهية ،سرعان ما بهتت و لم تعد جذابة ، ذلك أن هذا الإخراج السياسي الذي طُبِخَ في دهاليز صنع القرار ، لم يدم طويلا ،حيث خرجت الجماهير في مدن مغربية مختلفة في تظاهرات حاشدة ملأت الشوارع و الساحات .
و كانت تلك الاحتجاجات قد انطلقت في البداية تنديدا بقرار ” جواز التلقيح ” ، لكن سرعان ما تحولت إلى احتجاجات ضد الحكومة و الدولة و ضد رفع أسعار المواد الأساسية و قمع الحريات و رفض سياسة التفقير و البطالة و التجهيل المتبعة في هذه البلاد منذ مدة طويلة .
هذه التظاهرات لا شك ، تطرح بقوة سؤالا محورياو أساسيا:
ما مدى مصداقية و نزاهة انتخابات 08|09|2021 ، و التي منحت الصدارة للأحزاب المومئ إليها أعلاه.؟
– من جهة أخرى ،فإن حزب ” العدالة و التنمية ” خضع هو الآخر لنفس المسار الذي عاشه حزب ” الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ” ،فإذا كان هذا الأخير قد دُعِي لقيادة حكومة ” التناوب ” و انتقال الملك بسلاسة ،بدعوى أن البلاد مهددة ب “سكتة قلبية ” ،فإن ” حزب العدالة و التنمية ” ذو المرجعية الإسلامية ،جيء به لتجنب البلاد ،لما اصطلح عليه ب ” الربيع العربي ” ممثلة في حركة : 20 فبراير ، و بالتالي تحمل هذا الحزب إجهاض حلم ” الملكية البرلمانية ” .
و لقي الحزبان ، إذن ،نفس المصير ،ف ” الاتحاد الاشتراكي ” تمت إزاحته بواسطة ” الخروج عن المنهجية الديمقراطية ” ،فيما حزب ” العدالة و التنمية ” تم التخلص منه باسم ” الديمقراطية و صناديق الاقتراع “.و هكذا عقد هذا الأخير ” مؤتمرا استثنائيا ” غداة الفشل الذريع الذي مُنِيَ به في الانتخابات المذكورة ، و تم الترويج وسط مريدي الحزب أنه و لاسترجاعه عافيته ، لن يكون إلا بعودة : القائد المنقذ ،الملهم ،الشجاع و الموهوب …الخ .
و بناء عليه فُبْرِكَ مؤتمر شكلي و استثنائي في كل شيء ، و أعيد ” انتخاب ” السيد : عبد الإله بنكيران أمينا عاما للحزب ” المكلوم ”
و بغض النظر عن هذا الإخراج البئيس و الذي يكرس تقاليد بالية و رجعية مؤداها أنه لابد ل “لمريدين” من ” شيخ ” يقودهم . فإن عودة الرجل هو رجوع الشعبوية للمشهد السياسي و غياب العقلانية .
بل إن الأمر يدعو إلى الشك ، بعلاقاته بما يمور في البلاد .
فقد تكون الجهات المسؤولة متوفرة على تقارير سرية تفيد أن البلاد ربما تشهد حركات احتجاجية و اضطرابات إجتماعية نتيجة الأوضاع الكارثية التي تعيشها الجماهير ، و أن المظاهرات الأخيرة ربما مُقَدٍِمَة لما تَعِدُ به الأيام المقبلة و بالتالي وُضِعَ هذا السيناريو من أجل إعادة و تكرار الدور الذي قام به السيد : عبد الإله بنكيران اتجاه حركة : 20 فبراير.
إن هذه التناقضات.
السوريالية التي تعيشها البلاد ،تفيد شيئا واحدا و وحيدا هو أن مشروع الانتقال الديمقراطي و التحديث و تحقيق مجتمع العدل ،المساواة و الكرامة مؤجل إلى أجل غير مسمى .
إن هذا المشهد السياسي العقيم و البئيس ،لا يسمح سوى بهيمنة النظام و احتكاره لكل السلطات بأسماء و صفات مختلفة ، تفضي في النهاية إلى هيمنته القوية و المطلقة لها .
و هذا لعمري هو ما يسمى بقتل أو موت السياسة .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading