لعل المتتبع للشأن السياسي المغربي و خاصة بعد انتخابات : 08|09|2021، سيلاحظ ارتباك الفاعل السياسي المغربي ،مما ينعكس سلبا على المشهد السياسي بل و يجعله غير ملائم للفترة الحرجة التي تمر منها البلاد .
و من أجل إبراز هذا الاختلال وجب التأمل في ( بانوراما ) في بعض المشاهد و منها :
– لقد تم الترويج للفكرة القائلة بأن الانتخابات الأخيرة أفرزت قوى سياسية يمينية ومحافظة( الأحرار ،الأصالة و المعاصرة و الاستقلال ) ، من أجل قيادة البلاد لفترة انتدابها ، مستفيدة من أخطاء الحكومة التي سبقتها و وضع حد لهدر الزمن السياسي .
إن نتائج الانتخابات فاجأت الجميع ،لأن هذه التشكيلات السياسية اكتسحت المواقع التمثيلية و بالتالي وضعت يدها على المجالس : الحضرية ،الإقليمية ،الجهوية و البرلمانية .
و قيل آنذاك أن هذا الإفراز الانتخابي ،سيساعد على الإنسجام في الأداء بين فرقائها و بالتالي ستحقق نتائج إيجابية ، خاصة و أن المغرب تنتظره أوراش استراتيجية و تحديات كبرى.
و في إطار ” التهليل ” و زف التجربة الجديدة بما يليق بها ، كيلت للتي سبقتها و ذات “المرجعية الإسلامية ” ، كثير من الأنتقادات .
و يقينا أنها حملت نقائص منها الردة الحقوقية و التي تميزت بالهجوم الشرس على الحريات الفردية و الجماعية ، و تمرير قوانين و قرارات أصابت تطلعات شرائح مختلفة من المجتمع في مقتل.
غير أن هذه اللوحة التي رسمت بدقة و بألوان زاهية ،سرعان ما بهتت و لم تعد جذابة ، ذلك أن هذا الإخراج السياسي الذي طُبِخَ في دهاليز صنع القرار ، لم يدم طويلا ،حيث خرجت الجماهير في مدن مغربية مختلفة في تظاهرات حاشدة ملأت الشوارع و الساحات .
و كانت تلك الاحتجاجات قد انطلقت في البداية تنديدا بقرار ” جواز التلقيح ” ، لكن سرعان ما تحولت إلى احتجاجات ضد الحكومة و الدولة و ضد رفع أسعار المواد الأساسية و قمع الحريات و رفض سياسة التفقير و البطالة و التجهيل المتبعة في هذه البلاد منذ مدة طويلة .
هذه التظاهرات لا شك ، تطرح بقوة سؤالا محورياو أساسيا:
ما مدى مصداقية و نزاهة انتخابات 08|09|2021 ، و التي منحت الصدارة للأحزاب المومئ إليها أعلاه.؟
– من جهة أخرى ،فإن حزب ” العدالة و التنمية ” خضع هو الآخر لنفس المسار الذي عاشه حزب ” الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ” ،فإذا كان هذا الأخير قد دُعِي لقيادة حكومة ” التناوب ” و انتقال الملك بسلاسة ،بدعوى أن البلاد مهددة ب “سكتة قلبية ” ،فإن ” حزب العدالة و التنمية ” ذو المرجعية الإسلامية ،جيء به لتجنب البلاد ،لما اصطلح عليه ب ” الربيع العربي ” ممثلة في حركة : 20 فبراير ، و بالتالي تحمل هذا الحزب إجهاض حلم ” الملكية البرلمانية ” .
و لقي الحزبان ، إذن ،نفس المصير ،ف ” الاتحاد الاشتراكي ” تمت إزاحته بواسطة ” الخروج عن المنهجية الديمقراطية ” ،فيما حزب ” العدالة و التنمية ” تم التخلص منه باسم ” الديمقراطية و صناديق الاقتراع “.و هكذا عقد هذا الأخير ” مؤتمرا استثنائيا ” غداة الفشل الذريع الذي مُنِيَ به في الانتخابات المذكورة ، و تم الترويج وسط مريدي الحزب أنه و لاسترجاعه عافيته ، لن يكون إلا بعودة : القائد المنقذ ،الملهم ،الشجاع و الموهوب …الخ .
و بناء عليه فُبْرِكَ مؤتمر شكلي و استثنائي في كل شيء ، و أعيد ” انتخاب ” السيد : عبد الإله بنكيران أمينا عاما للحزب ” المكلوم ”
و بغض النظر عن هذا الإخراج البئيس و الذي يكرس تقاليد بالية و رجعية مؤداها أنه لابد ل “لمريدين” من ” شيخ ” يقودهم . فإن عودة الرجل هو رجوع الشعبوية للمشهد السياسي و غياب العقلانية .
بل إن الأمر يدعو إلى الشك ، بعلاقاته بما يمور في البلاد .
فقد تكون الجهات المسؤولة متوفرة على تقارير سرية تفيد أن البلاد ربما تشهد حركات احتجاجية و اضطرابات إجتماعية نتيجة الأوضاع الكارثية التي تعيشها الجماهير ، و أن المظاهرات الأخيرة ربما مُقَدٍِمَة لما تَعِدُ به الأيام المقبلة و بالتالي وُضِعَ هذا السيناريو من أجل إعادة و تكرار الدور الذي قام به السيد : عبد الإله بنكيران اتجاه حركة : 20 فبراير.
إن هذه التناقضات.
السوريالية التي تعيشها البلاد ،تفيد شيئا واحدا و وحيدا هو أن مشروع الانتقال الديمقراطي و التحديث و تحقيق مجتمع العدل ،المساواة و الكرامة مؤجل إلى أجل غير مسمى .
إن هذا المشهد السياسي العقيم و البئيس ،لا يسمح سوى بهيمنة النظام و احتكاره لكل السلطات بأسماء و صفات مختلفة ، تفضي في النهاية إلى هيمنته القوية و المطلقة لها .
و هذا لعمري هو ما يسمى بقتل أو موت السياسة .