د.عبد القادر محمد حسن الغزاوي
هو أبو عبد الله سيدي محمد بن علي العَفَّاني، لم تذكر المصادر والمراجع التاريخية وكتب تراجم الأولياء والصلحاء تاريخ ومكان ولادته، حيث تشير بعض المعلومات أنه كان موجوداً بمدينة القصر الكبير خلال سنة 996 هـ، وأنه عاصر عهد الدولة السعدية ، وقد توفي سنة 1005هـ ، ودفن في المنزه بمدينة القصر الكبير، وأن قبره يوجد داخل قبة لا زالت قائمة، قرب ضريح ومسجد الولي الصالح سيدي عيسى بن قاسم الزبير المصباحي، حيث كانت جنازته مهيبة وحافلة حضرها العلماء والأشراف والأكابر الذين عاصروه .
والمنزه موضع مرتفع يوجد بمدينة القصر الكبير، وهو عبارة عن ساحة كبيرة ، كان سكان المدينة يقصدونه للتنزه والراحة والتمتع بالمناظر الطبيعية والأزهار والورد، حيث وقعت به معركة حامية تعرف ب ” معركة المنزه ” بتاريخ 5 غشت 1743 م، بين أحمد بن علي الريفي وصهره مولاي المستضيء وبين السلطان مولاي عبد الله وأنصاره، فكان النصر لمولاي عبد الله والانهزام لمولاي المستضيء وأحمد الريفي الذي توفي بهذه المعركة، وقد ورد في كتاب نشر المثاني حول هذه المعركة ما يلي:” فالتقى الجمعان بموضع يسمى المنزه من القصر رابع عشر جمادى الآخرة، فأصيب الريفي وانهزم جيشه واحتُزَّ رأسه، ومنح الله تعالى النصر والملك للسلطان مولاي عبد الله ابن مولاي إسماعيل الحسني فاستولى على طنجة، وفتح الله عليه خزائن الريفي التي بها فحملها منها ومَنَّ على مَن هو ساكن بها فلم ينهب لهم شيئا ولم يهجم على أحد من أهلها ولم ينلهم سوءٌ، ثم مَنَّ على من بقي بها من أولاد الريفي بعد تسريح عيالهم وحشمهم في أمن حيثما شاؤوا ” (1) .
وأعود إلى ضريح الولي سيدي محمد العفاني ، حيث ان ضريحه يوجد بأعلى المنزه بسيدي عيسى بن قاسم ، وفي هذا الصدد يقول عنه الحاج عبد السلام القيسي الحسني : ( يقع الضريح بأعلى المنزه وعليه قبة ، وقبره معروف على الجانب الأيسر بالنسبة للصاعد في العقبة الموصلة لسيدي عيسى بن قاسم ، والضريح يحتاج إلى إصلاح وترميم ) (2) .
و جاء في كتاب لُمع من ذاكرة القصر الكبير أنه دفن بالمنزه وأن قبره قرب الولي الصالح سيدي عيسى بن قاسم ما يلي : “نَزَل القصر وتوفي به قبل سنة 1005 هـ ودفن في المنزه ولا زالت قبة قائمة الذات قرب سيدي عيسى بن قاسم، تجاوره أيضا قبة أخرى هي قبة الباشا أحمد بن علي الريفي صاحب طنجة الذي عظم أمره في أيام عبد الله بن مولاي إسماعيل. (3) .
وقد جاء في كتاب مرآة المحاسن ما يلي: ” الشيخ محمد بن علي العفاني التاسع…، قدمت إلى القصر وأنا صبي مع والدي الشيخ أبي المحاسن سنة ست وتسعين وتسعمائة، فكان الشيخ أبو عبد الله كثير المجيء إليه، والقعود عنده ، وكان شديد التعظيم له ، والمحبة ، والانحياش إليه فرأيته وتبركت به، ودعا لي، وأعطاني عكازا، ثم رجعت سنة سبع وألف ، فزرت قبره، وكان قد توفي قبل سنة خمس وألف، ودفن في المنزه خارج باب سبتة، أحد أبواب القصر، ورأيت بخط شيخنا أبي عبد الله القنطري ـ رحمه الله ـ كتابا كتبه للشيخ أبي المحاسن ذكر فيه وفاة صاحب الترجمة . ثم قال ما نصه : ” وقد كانت جنازته حافلة ، اجتمع الناس فيها على طبقاتهم ، ودفن بالمكان الذي وقفنا عليه معكم، وعرفتنا أن قبره يكون هنالك بعدما كثر اللغط في موضع دفنه، وحفروا له بداره، وأبى الله سبحانه إلا ما أشرتم إليه، فكان ذلك عندنا من معروف كرامتكم، وصدق فراستكم ” .
وأخذ عنه الشيخ أبو حفص عمر الخطاب الزرهوني ، وهو عن الشيخ أبي محمد عبد العزيز التباع ـ رضي الله عنهم (4) . . وقد وردت ترجمة لهذا العالم في كتاب ممتع الأسماع نقلا عن كتاب مرآة المحاسن السالف الذكر، وهي كما يلي :
” أبو عبد الله محمد بن علي العفاني . ومنهم الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي العفاني ، نزيل القصر ، من أصحاب الشيخ أبي حفص عمر الخطاب الزرهوني ، وقال في المرآة : في حق صاحب الترجمة أحد الأفراد من الأولياء الأكابر ، رطب اللسان على الدوام بالتلاوة والذكر ، دائم الحضور …. . (5) .
وللإشارة فقد جاءت ترجمة الولي سيدي محمد العَفَّاني في كتاب الإكليل والتاج ترجمتان، الترجمة الأولى تحمل رقم 307 وهي كالتالي : ( محمد بن علي العفاني . بعين مهملة ففاء مشددة من أصحاب سيدي عمر الخطاب، ولي صالح ذكره في المرآة من جملة من لقيه وتبرك به، توفي بالقصر عام خمسة وألف ) (2) .
أما الترجمة الثانية تحمل رقم 308 وهي كما يلي : محمد بن علي العماني الزرهوني (3) . ولي كبير ، كان كثير التلاوة والذكر ، وفي الممتع : ظاهر البركات كثير المكاشفات، توفي عام خمس وألف بالقصر، وقد جاء في الهامش رقم (2) بالصفحة نفسها أن ( الترجمة رقم 307 والترجمة الآتية رقم 308 هما معا لشخص واحد هو محمد بن علي العفاني ، وإنما الترجمة الأولى اقتبسها القادري من المرآة ، والترجمة الثانية ، وهي لنفس الشخص ، نقلها القادري عن صاحب الممتع الذي نقلها هو بدوره من المرآة ، مع تصحيف إسم العفاني إلى العماني في الترجمة الثانية ) .(6) . حيث يلاحظ من خلال هذه الإشارة أنه وقع خطأ في كتابة الإسم الصحيح لهذا الولي .
ويعد الولي الصالح سيدي محمد بن علي العفاني من العلماء والصلحاء الذين كان لهم صيت كبير في العلم والصلاح، وكان من الأولياء والصلحاء الأكابر ، وهو دائم التلاوة والذكر ، وكانت تربطه علاقة علمية وصداقة طيبة مع بعض علماء عصره ، أمثال الشيخ أبي المحاسن والشيخ أبي حفص سيدي عمر الخطاب الزرهوني ، وأبي عبد الله القنطري ، وغيرهم .
وان القبّة التي يوجد بها قبر الولي الصالح سيدي محمد بن علي العَفَّاني تحتاج إلى إصلاح وترميم وعناية ، نظرا لِما أصابها من عوادي الزمان والإهمال والنسيان …
الهوامش والمراجع :
1 ـ كتاب نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني . تأليف محمد بن الطيب القادري . الجزء الرابع . الطبعة الأولى . السنة 1986 م . الصفحتان رقم 44 و 45 .
2 ـ كتاب تراجم أشهر أولياء وصلحاء مدينة القصر الكبير (مخطوط) . الحاج عبد السلام القيسي الحسني . الترجمة رقم 10 .
3 ـ كتاب لٌمع من ذاكرة القصر الكبير . الجزء الأول . كتاب جماعي . إعداد وتنسيق محمد العربي العسري و ج . محمد أخريف . السنة 2012 م . الصفحتان رقم 144 و 145 . الترجمة رقم 47 .
4 ـ كتاب مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن . تأليف الإمام أبي حامد محمد العربي بن يوسف الفاسي الفهري .( 988 ـ 1052 هـ ) . دراسة وتحقيق الشريف محمد حمزة بن علي الكتاني . الطبعة الأولى . السنة 2008 م . الصفحتان رقم 430 و 431 . رقم الترجمة 9 .
5 ـ كتاب ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع . تأليف محمد المهدي الفاسي . تحقيق وتعليق عبد الحي العمروي و عبد الكريم مراد . الطبعة الأولى . السنة 1994 م . الصفحتان رقم 127 و 128 . الترجمة رقم 74 .
6 ـ كتاب الإكليل والتاج في تذييل كفاية المحتاج . تأليف محمد بن الطيب القادري . دراسة وتحقيق مارية دادي . السنة 2009 م . الصفحة رقم 301 . الترجمة رقم 307 والترجمة رقم 308 .
7 ـ كتاب صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر . تأليف محمد بن الحاج بن محمد بن عبد الله الصغير الإفراني . تقديم وتحقيق عبد المجيد خيالي . الطبعة الأولى . السنة 2004 م . الصفحة رقم 82 . الترجمة رقم 20 .
8 ـ كتاب المستندات المغربية . الجزء الثاني ( 1905 ) . تأليف إدوارد ميشو بيلير وجورج سالمون . السنة 2001 م . الصفحة رقم 191 . ( الكتاب باللغة الفرنسية ) .
9 ـ كتاب الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين ز تأليف محمد . الجزء الأول . السنة 1976 م . الجزء الثاني . السنة 1978 م .
10 ـ كتاب الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية وعدّ بعض مفاخرها غير المتناهية . تأليف محمد بن محمد بن مصطفى المشرقي . الجزء الثاني . دراسة وتحقيق إدريس بوهليلة . الطبعة الأولى . السنة 2005 م .
11 ـ كتاب مدينة القصر الكبير . تاريخ ومجتمع ووثائق . تأليف عبد السلام القيسي الحسني . الطبعة الأولى . السنة 2006 م .
12 ـ كتاب دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر . تأليف محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني . تحقيق محمد حجي . الطبعة الثالثة . السنة 2003 م .
13 ـ كتاب التشوف إلى رجال التصوف لأبي يعقوب يوسف بن يحي بن عيسى بن عبد الرحمان التادلي عُرف بابن الزيات . اعتنى بنشره وتصحيحه أدولف فور . السنة 1958 م .
14 ـ كتاب أنس الفقير وعز الحقير لأبي العباس أحمد الخطيب الشهير بابن قنفذ القسنطيني . اعتنى بنشره وتصحيحه محمد الفاسي وأدولف فور . السنة 1965 م .
15 ـ كتاب الإعلام بمن غبر من أهل القرن الحادي عشر . تأليف عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان الفاسي الفهري . تقديم وتحقيق فاطمة نافع . الطبعة الأولى . السنة 2008 م .
16 ـ كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى . تأليف أبو العباس أحمد بن خالد الناصري . تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصري . الجزء السابع . السنة 1956 م .
17 ـ كتاب المغرب عبر التاريخ . تأليف إبراهيم حركات . الجزء الثالث . الطبعة الثالثة . السنة 2002 م .
18 ـ كتاب طبقات الحُضيكي . تأليف محمد بن أحمد الحُضيكي . تقديم وتحقيق أحمد بومزكو.( جزآن ) . الجزء الثاني . الطبعة الأولى . السنة 2006 م .الصفحة رقم 340 . الترجمة رقم 424 .