جمعية البحث التاريخي والاجتماعي
أيها الحضور الكريم…
نجتمع اليوم، في هذا المحفل المهيب لنستحضر جانبا من حياة رجل، من أبناء هذه المدينة كانت له بصماته الخاصة المتميزة، في الحفاظ على جانب من هويتها وذاكرتها.
حافظ الراحل عليها حينما اختار العمل في زاوية قلما انتبه إليها مجايلوه أعني بذلك فن التصوير الفوتوغرافي – لقد اكتسب رحمه الله وعياً خاصاً بأهمية الصورة الفوتوغرافية في تخليد الأحداث والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية وكذلك وجوه الناس الذين شكلوا عصب الحياة بها.
ولا يخامرني شك في أن العديد ممن يحضرون هذه الأمسية في حوزتهم صورة أو أكثر لهم، أو لذويهم التقطت في هذه المناسبة أو تلك. فكثيرة هي المجالات التي سلط عليها الراحل عدسته لتبقى شاهدة على مرحلة أو حدث أو معلمة لولاه لطواها النسيان فكأنها لم تكن وكأن أصحابها ما مروا بهذه الحياة ونتذكر جميعا أن نهاية السنة الدراسية كانت تمثل لنا فرصة ثمينة لأخذ صورة تذكارية تجمع تلاميذ القسم الواحد في هذه المؤسسة التعليمية أو تلك.
فهذه الوجوه الصغيرة الحالمة والتي كان استديو ج بنونة يحتفظ بصورها منذ أزيد من ستة عقود تدين له بالكثير من المحبة والتقدير. ذلك أن عدسته خلدت لحظة فارقة في حياتهم، بعد أن أخذ كل واحد فيهم نصيبه من هذه الدنيا.
وفضلا عن هذه الصور التي عشنا جميعا لحظاتها البهية، فإن عدسة الراحل ج محمد بنونة لم تخلف موعدها مع التاريخ، لقد كانت حاضرة دوماً في مختلف التظاهرات التي شهدتها مدينتنا . ويمكن تلمس هذا الحضور أو بعضا منه في الآتي:
-1- صور ذات بعد وطني عكست المشاركة الفاعلة لمدينة القصر الكبير في كل ما له صلة بالحركة الوطنية أواخر الخمسينات من القرن الماضي وبداية الاستقلال.
فهذه صورة للمظاهرة التي شهدتها مدينة القصر الكبير منددة بالوجود الاستعماري، وهذه بعض الوجوه التي تصدرت المظاهرة وكذلك صور بعض زعماء الأحزاب الوطنية الذين كانوا يحلون بين ظهرانيها. صور للزعماء المشمولين برحمة الله علال الفاسي محمد بلحسن الوزاني والشيخ المكي الناصري، وعبد الخالق الطريس وغيرهم.
-2 صور ذات بعد ديني أرخت لمختلف التظاهرات الدينية التي كانت تشهدها المدينة في الأعياد وفي حلقات الذكر المقامة في بعض الزوايا والأضرحة.
-3 صور ذات منحى ثقافي وفني ونكتفي بالإشارة إلى حدثين ثقافيين بارزين هما:
الحدث الأول زيارة الشاعر السوري “نزار قباني لمدينة للقصر الكبير في ستينات القرن الماضي. حينها سجلت عدسة الراحل المحطات التي ميزت هذه الزيارة بدءاً من الاستقبال الحار الذي خصه ساكنة القصر الكبير للشاعر الكبير ، وكذا الأمسية الشعرية التي احتضنها يوم ذلك مسرح بيريس كالدوس بحضور رئيس اتحاد كتاب المغرب العربي يوم ذاك الدكتور محمد عزيز الحبابي ومحمد العربي المساري، كما تظهر الصور التي خلدت هذه المناسبة الشاعر محمد الصادق الشاوي، وهو يلقي كلمة ترحيبية بالشاعر الكبير، ويظهر في الصورة أيضا الشاعر جعفر الناصري وهو يلقي قصيدة
شعرية.
وتظهر صور أخرى أخذت بالمناسبة في مأدبة الغذاء التي أقيمت بقصر باشا مدينة القصر الكبير الأسبق السيد محمد الملالي الرميقي. بحضور وجوه ثقافية من المدينة وخارجها، وكانت الصور التي خلدتها عدسته شاهدة على هذا الحدث الثقافي الهام.
وممن حضر هذه المناسبة وما زالوا على قيد الحياة أطال الله عمره الحاج عمر الديوري، وممن توفاهم الله نذكر السادة عبد القادر الساحلي، محمد بوخلفة، حسن الطريبق، أحمد عدة، عبد السلام بنمسعود محمد عزيز الحبابي.
والحدث الثاني تمثل في العرض المسرحي الذي قدمته الفرقة القومية المصرية حيث شخصت على خشبة سينما اسطوريا مسرحية “مجنون ليلى” بحضور ممثلين مصريين
رحل أغلبهم نذكر من بينهم أمينة رزق – فاخر فاخر – عبد المنعم إبراهيم سميحة أيوب. ففي الصورة التي خلدت هذه المناسبة من أبناء مدينتنا، من الأحياء أطال الله عمرهم عبد المجيد بنجلون – سعد الدين الطود مصطفى نخشى محمد وية- عبد الكريم بنيس. ومن الذين توفاهم الله السادة الهاشمي الطود العياشي الحمدوني محمد الصادق الشاوي – حسن الطريبق.
-4 – صور ذات بعد اجتماعي وتمثلت في الصور التي كانت تؤخذ عقب حفلات الزفاف. وكانت لا تتم الفرحة دون حضور عدسة بنونة.
5- صور لمعالم حضارية معمارية انفردت بها مدينتنا.
هذا غيض من فيض يمكن استخلاصه من أرشيف الراحل محمد بنونة وحبذا لو تمكنت كريمته الأستاذة أمينة وهي الإعلامية المتميزة من إقامة معرض دائم لهذه الصور صيانة ومحافظة على ذاكرة مدينة تأبى أن تتحول إلى رماد. على أنه ومن باب الإنصاف الإشارة إلى أسماء أخرى حملت ذات يوم عدستها والتقطت وجوها وسجلت أحداثا على رأسها استودیو ریکارط (Rikart) وهو اسباني الأصل، حل بهذه المدينة في بداية القرن العشرين، وإدريس التمسماني وأحمد بن الهاشمي المعروف ببيوطة.
ونود في نهاية هذه الكلمة المقتضبة أن نقتطف ما قاله في حق استوديو بنونة الشاعر الشريف مصطفى الطريبق، شافاه الله وهو بالمناسبة شغل منصب الكاتب العام لجمعية البحث التاريخي والاجتماعي وكانت المناسبة حفل تكريم أقيم للراحل الحاج محمد بنونة بتاريخ 27/7/2013. يقول الشاعر:
إن شئت من صور لها كل الأثر
في النفس صيغت في اختيار معتبر
إن شئت تذكارا لشيء لم يعد
ومعالم ذهبت. وصارت في خبر
هي في جناح في حمى بنونة
فوتوغرافي بالمشاعر والنظـر
كم من رجال عنده في صور
لا يُعرفون مضوا فرادى أو زمر
رحلوا كما كل الأنام سيرحلو
ن فليس يبقى ها هنا منهم من أثر
كم من مآثر تزدهي كانت لنا
لكن فما منها بقـى إلا الصور
حقا له استدیو فرید نوعه
هو جزء من تاريخ المدينة مختصر
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
محمد أخريف
محمد العربي العسري
جمعية البحث التاريخي والاجتماعي – القصر الكبير ./.