
د. حسن اليملاحي
من لا يغار لا يحب.
( سانت أوغستين )
إلى العزيز الدكتور: معجب العدواني قارئا وناقدا رصينا
اشترت لي روسيو بدلة أوروبية من السوق التجاري الممتاز الكورتي إنجلش ببرشلونة، أعترف بأنها راقتني كثيرا وجعلتني أشعر بسعادة عامرة تملأ يومي. وأنا أرتديها على سبيل التجريب، قالت لي:
– اللباس الأوروبي يليق بك يا عزيزي.
وأنا أنظر إلى المرآة، أجدني أصدقها لأني كنت أبدو مختلفا عما كنت عليه. بعد أن وجهت إليها عبارات الشكر والامتنان، قبلتها عربون محبة للعلاقة القائمة بيننا.كان في نيتي حضور حفل زواج ريكي ابن السيدة بيلين الصديقة الحميمة لروسيو، إنهما يعرفان بعضهما البعض منذ الطفولة ويرتبطان بصداقة قديمة ومتينة. لم أحضر مثل هذه المناسبات منذ مدة طويلة. إنها بالنسبة لي، فرصة للفرح وتبادل التحايا والأفكار مع صديقات وأصدقاء من داخل برشلونة وخارجها. روسيو تقول لي ينبغي عليك أن تكون في أتم الاستعداد وتوصيني بالتصرف أحسن. هي تعلم بأني أكثر من متهور، ولذلك ينبغي عليّ أن أشرفها تجنبا للقيل والقال.
أعترف أن هذه المرأة ، تريدني أن أكون الأفضل لأنها تحبني . أمام كل هذا الكون من المشاعر، أجدني أقدر فيها هذه الروح و المشاعر النبيلة. اطمئني يا روسيو، سألتزم بوصاياك، وسأكون مميزا هذه المرة من دون أي تهور.
شهر فبراير من الشهور المفضلة لدى الأسبان لإقامة الحفلات وإحياء المناسبات العائلية المختلفة. في اليوم المحدد للحفل، جلست إلى جانب المدعوين والمدعوات بعيدا عن روسيو. هكذا، سأتخلص من كل القيود التي قد تشل حركتي. لقد كنت المغربي الوحيد الذي يحضر هذا الحفل البهيج. هذا ما بدا لي وأنا أتعرف إلى المدعويين والمدعوات بكل انتماءاتهم الاجتماعية. إنها المرة الرابعة التي أحضر فيها مثل هذه المناسبات البهيجة. هذا اللقاء، سيسرني كثيرا وسيزيد من منسوب فرحي. أعلم أن الحياة جميلة، ولذلك ينبغي علينا أن نعيشها ونستمتع بها.
من الطرائف التي حصلت لي في حفل زفاف ريكي، الالتقاء ببعض الأصدقاء الذين لم ألتق بهم منذ مدة طويلة بعد أن فرقت بيننا السبل. من بين هؤلاء، أذكر العزيز أرثورو وهو موظف متقاعد من بلدية برشلونة. مازلت أتذكر ما قدمه لي هذا الرجل الكريم من خدمات. آنذاك، كنت قد التحقت للتو بهذه المدينة الرائعة. أرثورو رجل من أصول أندلسية وشريف يحب المغرب والمغاربة، ّإنه يحمل دما عربيا كما يقول لي دوما.
هذا الحب تولد لديه، من خلال حكايات والده الذي كان جنديا من لواء الريغولاريس التابعة للجيش الأسباني بالقصر الكبير ( شمال المغرب ). لقد تحدثنا كثيرا، وبعد أن اطمأنت عليه، ولكي نحتفل بصداقتنا التي امتدت لسنوات طوال، قررنا الالتقاء ببعضنا البعض لتناول العشاء خارج بيوتنا. هكذا سنتحدث إلى بعضنا البعض بكل حرية ومن غير قيود. قبل أن ننخرط جميعا في رقصة الفلامينكو حسب تقاليد حفلات الزفاف، أمسكت زوجتي روسيو بيدي وقادتني – كما لو كنت طفلا صغيرا – إلى فناء قاعة الحفلات كي نرقص سويا. نعم لكي نرقص في صحة السنوات التي قضيناها بيننا، وفي صحة إبنتنا ألبا التعي تعيش بعيدا عنا .كم أنت غيورة يا روسيو، لقد قمت بهذا حتى لا أرقص مع واحدة من هؤلاء الجميلات الأسبانيات اللواتي يحضرن الحفل الذي ازداد بهاء أكثر بوجودهن.
روسيو تحب الفلامينكو إلى حد الجنون، أما أنا فقد أحببت هذا اللون الغنائي من خلال مشاهداتي للتلفزيون الأسباني الذي كانت تصل تردداته إلى شمال المغرب. وحتى نستعيد ذكريات زواجنا الأولى، سألت روسيو إن كانت ما تزال تتذكر يوم طلبت يدها من والدها. لقد اشتريت له ساعة يدوية – حسب التقاليد – يوم الخطوبة. الغريب في الأمر أنه لم يقبل مني الهدية. هكذا، يكون هذا التعيس- الذي سيصبح صهري – قد اعترض على خطوبتنا. لكن، ومع مرور الأيام تزوجنا بالرغم من اعتراضه الذي لا أجد له أي مبرر. وحتى تكتمل فرحتنا ونحتفي بذكرى زواجنا، قررنا السهر سويا في مطعم باترون برشلونة بعد أن حجزت لنا طاولة خاصة بنا. وبعيدا عن أعين روسيو، دعوت والدها لمشاركتنا العشاء، لأن حضوره سيشكل مفاجأة سارة لها. ولذلك، اتصلت بإدارة المطعم كي تحجز لنا طاولة لثلاثة أشخاص بدل اثنين.