
ذ. ادريس حيدر :
في قاع المدينة القديمة ، و في حي أغلب بناياته متداعية للسقوط لقدم عمرانها ، و بأزقة ضيقة ذات التواءات صعبة و أقواس ظليلة (صابة) ، و رطوبة منعشة في فصل الصيف ، نتيجة عدم تسرب خيوط الشمس إليها طيلة فصول السنة ، مع روائح مختلفة للأطعمة التي تُعِدُّ في فترات الأكل ؛ كان يوجد زقاق يُطلقُ عليه زقاق :” المقدم “. و يُسمى كذلك لأن أحد ساكنيه كان يعمل مقدما لدى السلطات الإسبانية التي كانت محتلة للمنطقة الشمالية .
كان ذلك الزقاق يحوي نماذج بشرية مختلفة الانتماءات ، و منحدرة من مناطق عدة من البلاد ، و يمتهنون مهنا تقليدية عريقة و أخرى حديثة .
كان الجيران يعيشون في انسجام ، بالرغم من التنافر الذي يحصل بينهم بين الفينة و الأخرى .
في الزاوية الغربية من الدرب ، تعيش سيدة متقدمة في السن ، اشتهرت بادعاءاتها الكاذبة ، و ثرثرتها التي لا تتوقف ، زاعمة أنها درست مع الملك عندما كان وليا للعهد ، و أنها حصلت على الجائزة الأولى في الجمال الشيء الذي جعل الأمراء يُعْجَبون بها و يُلحِقونها بالقصر .
و كان سكان الزقاق لا يعيرون @لكلامها أدنى أهمية ، و بالتالي كانت تنتقل إلى مرحلة أخرى ، محاولة من خلالها إثارة انتباههم و ذلك بادعائها أن لها بركات ، حيث أن لها قدرات استثنائية ، تجعلها قادرة على إشفاء المريض بمجرد لمسه .
و بالرغم من كل هرطقاتها ، فإن كبار السن من الجيران كانوا بؤكدون أنها كانت جميلة ، و لكنها مرت بفترات صعبة في حياتها أثرت على ذهنها و جعلتها في هذيان مستمر .
كانت تعيش بمعية حفدائها ، ترعاهم و يُؤنسون وحدتها في أرذل عمرها .
كان يجاورها في السكن ، أحد قدماء المقاومة ، رحل من أحواز مدينة ” مراكش” إلى المنطقة الشمالية ، هربا من إحدى قضايا الثأر ، و انتسب فيما بعد إلى المقاومة المسلحة من أجل استقلال البلاد .
و كان معروفا بشجاعته و قسوته و عنفه ، و كان ” المقدم ” قيد حياته ، يخافه و يهابه ، معتقدا أنه مكلف من طرف المقاومة بمهمة تصفيته .
كان ” المقاوم ” قليل الكلام ، مرتاب جدا ، يظهر بين الفينة و الأخرى لإرهاب الجيران و تخويفهم ، و بالتالي أصبحوا يهابونه .
يتبع…
تشكيل : إدريس حيدر .