انزلاق إلى الفقر..!

13 يونيو 2024

 

ذ. حميد الجوهري :

” إن الفقير يولد فقيرا لأنه ولد في بيئة تعودت الفقر، و الغني يولد غنيا لأنه ولد في بئة تعودت الغنى..” !

في أيام التحصيل العلمي بكلية الحقوق، صادفنا بعض القامات العلمية مشهود لها بالنبوغ، رغم حدة طبع بعض هؤلاء الأساتذة الكرام، كان من بينهم الدكتور محمد المرغدي، و الذي كان يدرسنا مادة الاقتصاد السياسي، و هو فرع علمي يقربنا من دراسة الاقتصاد، فكان أن ألف كتابا صحبة الدكتور سهيل عنوناه ب “مقدمات في علم الاقتصاد”، تطرقا فيه لمختلف النظريات الاقتصادية التاريخية، و محطات علم الاقتصاد و علاقته بالتاريخ الإنساني، مررنا بمحنة لا ننساها مع طبع هذا الأستاذ ذو النزعة الستالينية، فكان شديدا في الامتحان الشفوي، حتى أني رسبت بسببه في الموسم الأول، رغم اجتيازي للاختبار الكتابي بمعدل لا بأس به، إلا أني سقطت ضحية عدم الحصول على الجزء الثاني من المؤلف، بسبب مغادرتي لمدينة فاس و عدم تتبع عرضه في المكبة المعنية، حتى فوجئت بفرضه في الامتحان، و قدر الله ما شاء فعل..!
هذا المؤلف جميل جدا، و عامر بالفوائد التي تقربك من النظريات الاقتصادية، غير أنه كان مجحفا بعض الشيء في دراسة التاريخ الاقتصادي الإسلامي، بتبرير أنه لم يوجد فكر اقتصادي إسلامي متفرد، و كان أشار المؤلفان لكتاب متفرد أو باب من أبوابه للمؤرخ المصري المقريزي، عنوانه ” الفلاكة و المفلوكون”، تطرق فيه المقريزي لإحدى ثورات الجياع و الفقراء، باسطا أسبابه و سبل معالجتها، أضحكنا العنوان بالطبع رغم علمنا بمعناه، و هو الفقر و المفقرون، فيما انشغل بعضنا بالنقاش حول مصداقية خلو الفكر الإسلامي من النظريات الاقتصادية، رغم الغنى الفقهي في مجال المعاملات..!
الحديث عن هذا الكتاب يتطلب مجهودا علميا، يتجاوز هذا المقال المتواضع، غير أني تذكرته بمناسبة مواسم الغلاء التي تلت محنة كورونا و الحكومة الليبرالية الأخنوشية، و التي حركت قلوب الفقراء، الذين رضوا و تعودوا فقرهم و تفقيرهم، حتى أننا نحتاج لشبيه المقريزي ليدونها تاريخا، حتى لا يفتقر الدارسون لمحنتنا عبر الأزمان، لنظرية تفسر وضعنا، و ربما يجدون مثل الدكتور المرغدي ليبسطها لطلبته، مذكرا لهم بنظرية المفكر الاقتصادي الأمريكي، و المسماة:
” نظرية التعود”
فالدكتور المرغدي و معه سهيل، بسطا لنا نظرية التعود لگالبرايت، بأنها:
يولد الفقير فقيرا لأنه في بيئة تعودت الفقر، و الغني غنيا لأنه ولد غي بيئة تعودت الغنى..
و على هذا فلا أمل للفئة التي انزلقت تحت معدل الفقر، بفعل السياسات الحكومية، من الانعتاق منه، فهي سرعان ما ستتعود فضيلة الفقر و الصمت..!

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading