
ذ. ادريس حيدر
لعل الجميع يتفق على أن المغاربة أذهلوا العالم ، بتلاحمهم و تضامنهم الاستثنائي مع ضحايا زلزال :” الحوز” ، و قد تناقلت المحطات التلفزية العالمية لقطات من تلك ” الهبة ” ، سواء للمتطوعين وسط حطام و ركام الأبنية، أو أولئك الذين نظموا قوافل المؤونة المتعددة و المتنوعة و التي شقت طريقها ب” جلالة ” إلى المواقع التي ضربها الزلزال.
كما أن الشعب المغربي أصبح مثالا يُحْتَذى لكل شعوب الأرض في : الصبر ، التضامن ، التلاحم و التآزر في الشدائد…

مناسبة هذا الاستهلال ، هو محاولتي رصد حركة شباب حيوي ، في مدينة عتيقة ، منسية ، و مهمشة ، أ لا و هي : مدينة القصر الكبير .
فقد تطوع ثلة منهم غداة الزلزال ، إلى نقل المؤونة و العدة إلى الجهة المنكوبة ، و كانت تلك هي المحاولة الأولى، ثم تلتها محاولات أخرى أكثر تنظيما .
و لعلم الجميع ، فهؤلاء الشباب لا يتوقفون على القيام بمثل هذه المبادرات ، فقد نظموا كذلك رحلات من نفس النوع و محفوفة بالمخاطر ، عندما هبوا مصحوبين بالإعانات إلى تلال و جبال منطقة ” جبالة ” ، عندما اشتعلت النيران هناك و انت على الأخضر و اليابس.

كذلك عُرِف البعض منهم ، و هو يقدم خدمات و مساعدات للأشخاص المسنين ، المهمشين ، المهانين، العُزَّل ، في إطار جمعية :
” جميعا ، من أجل فك العزلة عن المسنين ” .
و قد أنجزوا عمليات إنسانية رفيعة ، حيث كانوا يبحثون عن الكهول في الاكواخ، المرائب ، الخلاء ، متسخين و جوعى ، و برازهم في اسمالهم ، محاطون بالازبال و أحيانا بأنواع مختلفة من القوارض كالفئران.
فمن هم هؤلاء الشباب يا ترى ؟

إنهم أبناء عائلات بسيطة من الشعب ، و منهم من لم تسمح له الفرصة لإتمام دراسته لفقره و عوزه أو لظروف خارجة عن إرادته ، يمتهن البعض منهم اعمال بسيطة فضلا عن ذلك فاغلبهم متزوج وله أبناء.
لا خلفية سياسية تقيدهم و تكبلهم ، كما أن أغلبهم لا ينتسب لأحزاب شاخت و ماتت أو لأخرى كرتونية تقتات من الريع و الفساد .
ولاءهم و حبهم للوطن و الإنسان .
هم ملائكة الرحمة عند الشدائد.
يؤدون هذه المهام الصعبة بإيمان قوي و روح مرحة تصاحبها قفاشات تهون وقع الإكراهات عليهم.
لا يتطاوسون أو يحللون بتعال : البنيات المجتمعية و الخطط التشغيلية و التكتيك و الاستراتيجية و التناقض الرئيسي و الثانوي و خطط المرحلة في صالونات و حانات عند السكر و الثمالة .

و بهذه المناسبة و لإعطاء القدوة للأجيال المقبلة و تكريس القيم الفضلى في المجتمع ، أهيب بالمجتمع المدني في إطار جمعياته أن تقيم تكريما لهؤلاء الابطال ، و سيكون ذلك اعتراف بذوي الفضل و احتفاء بإنجازاتهم الرائعة.
إن هؤلاء الشباب الشامخ ، نسخة جديدة من شباب هذا الوطن أفرزها المجتمع بعيدا عن التنظيمات السياسية ، و هذه رسالة محملة بكثير من الدلالات .
و بالرغم من وضعهم الاقتصاي الصعب و انسداد الآفاق امامهم ، فحب وطنهم يغلي في عروقهم ، و كأني بهم يقولون و يرددون :
بلادي و إن جارت علي عزيزة
و أهلي و إن ضنوا علي كرام
فتحية إكبار لهذا الشباب الشامخ.
