ترنيمة الماضي

5 سبتمبر 2023

بقلم : الكاتبة الزهرة الحميمدي -المغرب

ﻫﺮﻋﺖ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ وأنا أبكي
ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ، ﺗﻬﻴﺊ ﺍﻟﻘﻬﻮﺓ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﻋﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ لزيارتنا كل شهر ، وهي محملة بشتى أنواع الفواكه التي كانت تغرسهابيديها في ضيعتها الصغيرة ، وكان أبي منشغلا بعوده يلمعه ، ويصلح بعض خيوطه قائلا بصوت يكاد لا يسمع :
– إنها حتما تلك القطة التي تعشق الموسيقى مثل أبيها،
بالتأكيد هي من تعبث في غيابي بأوتارهذا العودالمسكين، ثم رفع صوته متعمدا قصدي، حين سمعني أدخل إلى البيت، أردد وأنا أبكي :
– سوف أشكوها لأبي ، تلك الشريرة !
كنت نور عينيه الحبيبتين , أبي ..
وكنت نبض قلبه الحنون ، و “زهرته الغالية ” كما كان يناديني…
فما ﺃﻥ ﺭﺁﻧﻲ ﺃﺑﻜﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺷﻜﻮ ﻟﻪ ﺍﺑﻨﺔ الجيران سارة , التي عيرتني ب “الجبلية” – بحذف اللام ، وتضغيم حرف الجيم ، حتى وضع العود بين وسادتين كي لا يقع على الأرض ، وضمني إلى صدره الحنون ﻗﺎﺋﻼ :
– ﺃﻧﺖ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻳﺎ ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ !! ﻟﻘﺪ ﻭﻟﺪﺕ مثل أبيك بالقصر الكبير، أجمل وأروع مدينة في الدنيا!
ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻌﺪ الناس يوم مولدك يا حبيبتي …يا زهرتي الغالية ، ويا أجمل وردة في الكون !
دعيها تقول ما تشاء !
ﺃﺟﺒﺘﻪ ﺑﺄﻥ ﺳﺎﺭﺓ الشريرة ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻨﻲ أمام بنات الجيران فاطمة ، وخديجة وشيماء ! ﻭﺑﺄﻧﻲ أﺭﻳﺪ ه أن يغير لي ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺳﻢ الذي أصبحت أكرهه ، ﻭﺇﻻ لن أذهب أبدا إلى المدرسة…
ﺿﺤﻚ ﺃﺑﻲ عاليا وهو يداعب خصلات ﺷﻌﺮﻱ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ :
– فاﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ !! ﻭﻟﻦ ﻧﺸﺘﺮﻱ ﻛﺒﺸﺎ ﺁﺧﺮ ﻟﺘﺴﻤﻴﺘﻚ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ !
نظرت إليه في غضب والد موع لا تزال على خدي ،فضمني إلى صدره قائلا :
– لماذا لم تطلبي مني تغيير إسمك في يوم مولدك ؟ حتى العصفورة التي بنت عشها فوق شجرة التوت بحديقة بيتنا أعجبها اسمك ، وظلت طول اليوم تنقر زجاج نافذة الغرفة التي ولدت فيها …
ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﻜﻠﻤﻲ ﺣﻴﻦ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﺎﺫﺍ ﺳﺄﺳﻤﻴﻚ ؟
كنت صامتة كالقطة في حضن أمك!! أغمضت عينيك وكأنك لم تسمعينا ونحن نختار لك الإسم الذي سيرافقك طول العمر!
ﺇﺫﻥ – ﻗﻠﺖ ﻟﻪ في غضب — ﻟﻦ ﺃﺫﻫﺐ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻐﻴﺮ ﻟﻲ ﺇﺳﻤﻲ. و من اليوم لن أخرج من البيت ﻭﻟﻦ ﺃﻟﻌﺐ أبدا مع صديقاتي….
نظر إلي ﻣﻠﻴﺎ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﺑﺤﺰﻡ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﺎﺗﺒﻨﻲ :
– ﺍﺳﻤﻌﻴﻨﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ، ﻻ ﻳﺠﺐ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻥ ﺗﺪﻋﻲ ﺇﺑﻨﺔ ﺍﻟﺠﻴﺮﺍﻥ ﺗﻬﺰﻣﻚ ! دعيها تقول ما تشاء !
ﻛﻮﻧﻲ ﻗﻮﻳﺔ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ، ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﺳﻤﻚ الجميل! ﻳﺎﺯﻫﺮتي الغالية! أتعرفين؟ ﺈﺳﻤﻚ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻫﻮﺭ ﻳﺎﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ! ﻭﻫﻮﺃﻳﻀﺎ ﺇﺳﻢ لأجمل كوكب في هذا الكون ” كوكب الزهرة”
ﺃردت ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻣﺜﻠﻪ ﺳﺎﻣﻴﺔ في
ﺍﻷﻋﺎﻟﻲ .. ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ، ﺯﻫﺮﺓ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺬﺑﻞ …
ﻭ ﺃﻧﺎ ﺃﻛﻔﻜﻒ ﺩﻣﻌﻲ ، ﻛﻨﺖ ﺃﻧﻈﺮ إلى ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻭﻛﺄﻧﻲ ﺃﺳﺘﻤﺪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻣﻨﻬﻤﺎ… ﺿﻤﻨﻲ ﺃﺑﻲ إلى صدره وهو يردد إسمي :
– ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ..ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺟﻤﻴﻠﺘﻲ..
ﺑﺪﺃﺕ ﺃﺿﺤﻚ ! ﺃﺧﺬ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻣﺒﺘﻬﺠﺎ :
والله انت ملهمتي! إنها مطلع أغنية جديدة! سألحنها ﻟﻚ ﺣﺎﻻ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ !
ﺳﻤﻌﺖ ﺃﻣﻲ ﻃﺮﻗﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ ، ﻓﻨﺎﺩﺗﻨﻲ :
– ﺍﻓﺘﺤﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻳﺎ ﺯﻫﺮﺓ …
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻰ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﺇﺳﻤﻲ ﺣﻴﻦ ﻧﺎﺩﺗﻨﻲ ﺃﻣﻲ !
ﻓﺘﺤﺖ الباب ، كانت صديقتي سارة التي جاءت تدعوني لنلعب معا لعبة
” الغميضة” تحت قوس ” الباب الكبير ” ب” المحلا ” والذي لم يكن يبعد عن بيتنا إلا بأمتار قليلة…
انطلقت أعدو وراءها ، وكأنني أرقص ﻋﻠﻰ ﻧﻐﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺍﻓﻘﺖ ﻣﺴﻤﻌﻲ عمرا …

بقلم : الكاتبة الزهرة الحميمدي -المغرب

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading