بقلم : الكاتبة الزهرة الحميمدي -المغرب
ﻫﺮﻋﺖ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ وأنا أبكي
ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ، ﺗﻬﻴﺊ ﺍﻟﻘﻬﻮﺓ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻣﻊ ﻋﻤﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ لزيارتنا كل شهر ، وهي محملة بشتى أنواع الفواكه التي كانت تغرسهابيديها في ضيعتها الصغيرة ، وكان أبي منشغلا بعوده يلمعه ، ويصلح بعض خيوطه قائلا بصوت يكاد لا يسمع :
– إنها حتما تلك القطة التي تعشق الموسيقى مثل أبيها،
بالتأكيد هي من تعبث في غيابي بأوتارهذا العودالمسكين، ثم رفع صوته متعمدا قصدي، حين سمعني أدخل إلى البيت، أردد وأنا أبكي :
– سوف أشكوها لأبي ، تلك الشريرة !
كنت نور عينيه الحبيبتين , أبي ..
وكنت نبض قلبه الحنون ، و “زهرته الغالية ” كما كان يناديني…
فما ﺃﻥ ﺭﺁﻧﻲ ﺃﺑﻜﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺷﻜﻮ ﻟﻪ ﺍﺑﻨﺔ الجيران سارة , التي عيرتني ب “الجبلية” – بحذف اللام ، وتضغيم حرف الجيم ، حتى وضع العود بين وسادتين كي لا يقع على الأرض ، وضمني إلى صدره الحنون ﻗﺎﺋﻼ :
– ﺃﻧﺖ ﻟﺴﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻳﺎ ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ !! ﻟﻘﺪ ﻭﻟﺪﺕ مثل أبيك بالقصر الكبير، أجمل وأروع مدينة في الدنيا!
ﻭﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻌﺪ الناس يوم مولدك يا حبيبتي …يا زهرتي الغالية ، ويا أجمل وردة في الكون !
دعيها تقول ما تشاء !
ﺃﺟﺒﺘﻪ ﺑﺄﻥ ﺳﺎﺭﺓ الشريرة ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺗﺴﺨﺮ ﻣﻨﻲ أمام بنات الجيران فاطمة ، وخديجة وشيماء ! ﻭﺑﺄﻧﻲ أﺭﻳﺪ ه أن يغير لي ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺳﻢ الذي أصبحت أكرهه ، ﻭﺇﻻ لن أذهب أبدا إلى المدرسة…
ﺿﺤﻚ ﺃﺑﻲ عاليا وهو يداعب خصلات ﺷﻌﺮﻱ ،ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ :
– فاﺕ ﺍﻷﻭﺍﻥ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ !! ﻭﻟﻦ ﻧﺸﺘﺮﻱ ﻛﺒﺸﺎ ﺁﺧﺮ ﻟﺘﺴﻤﻴﺘﻚ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ !
نظرت إليه في غضب والد موع لا تزال على خدي ،فضمني إلى صدره قائلا :
– لماذا لم تطلبي مني تغيير إسمك في يوم مولدك ؟ حتى العصفورة التي بنت عشها فوق شجرة التوت بحديقة بيتنا أعجبها اسمك ، وظلت طول اليوم تنقر زجاج نافذة الغرفة التي ولدت فيها …
ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﻜﻠﻤﻲ ﺣﻴﻦ ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﺎﺫﺍ ﺳﺄﺳﻤﻴﻚ ؟
كنت صامتة كالقطة في حضن أمك!! أغمضت عينيك وكأنك لم تسمعينا ونحن نختار لك الإسم الذي سيرافقك طول العمر!
ﺇﺫﻥ – ﻗﻠﺖ ﻟﻪ في غضب — ﻟﻦ ﺃﺫﻫﺐ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﻐﻴﺮ ﻟﻲ ﺇﺳﻤﻲ. و من اليوم لن أخرج من البيت ﻭﻟﻦ ﺃﻟﻌﺐ أبدا مع صديقاتي….
نظر إلي ﻣﻠﻴﺎ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﺑﺤﺰﻡ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﺎﺗﺒﻨﻲ :
– ﺍﺳﻤﻌﻴﻨﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ، ﻻ ﻳﺠﺐ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻥ ﺗﺪﻋﻲ ﺇﺑﻨﺔ ﺍﻟﺠﻴﺮﺍﻥ ﺗﻬﺰﻣﻚ ! دعيها تقول ما تشاء !
ﻛﻮﻧﻲ ﻗﻮﻳﺔ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ، ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﺳﻤﻚ الجميل! ﻳﺎﺯﻫﺮتي الغالية! أتعرفين؟ ﺈﺳﻤﻚ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻫﻮﺭ ﻳﺎﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ! ﻭﻫﻮﺃﻳﻀﺎ ﺇﺳﻢ لأجمل كوكب في هذا الكون ” كوكب الزهرة”
ﺃردت ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻲ ﻣﺜﻠﻪ ﺳﺎﻣﻴﺔ في
ﺍﻷﻋﺎﻟﻲ .. ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ، ﺯﻫﺮﺓ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺬﺑﻞ …
ﻭ ﺃﻧﺎ ﺃﻛﻔﻜﻒ ﺩﻣﻌﻲ ، ﻛﻨﺖ ﺃﻧﻈﺮ إلى ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻭﻛﺄﻧﻲ ﺃﺳﺘﻤﺪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻣﻨﻬﻤﺎ… ﺿﻤﻨﻲ ﺃﺑﻲ إلى صدره وهو يردد إسمي :
– ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ..ﺯﻫﺮﺗﻲ ﺟﻤﻴﻠﺘﻲ..
ﺑﺪﺃﺕ ﺃﺿﺤﻚ ! ﺃﺧﺬ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻣﺒﺘﻬﺠﺎ :
والله انت ملهمتي! إنها مطلع أغنية جديدة! سألحنها ﻟﻚ ﺣﺎﻻ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ !
ﺳﻤﻌﺖ ﺃﻣﻲ ﻃﺮﻗﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ ، ﻓﻨﺎﺩﺗﻨﻲ :
– ﺍﻓﺘﺤﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻳﺎ ﺯﻫﺮﺓ …
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻰ ﺃﺣﺴﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﺇﺳﻤﻲ ﺣﻴﻦ ﻧﺎﺩﺗﻨﻲ ﺃﻣﻲ !
ﻓﺘﺤﺖ الباب ، كانت صديقتي سارة التي جاءت تدعوني لنلعب معا لعبة
” الغميضة” تحت قوس ” الباب الكبير ” ب” المحلا ” والذي لم يكن يبعد عن بيتنا إلا بأمتار قليلة…
انطلقت أعدو وراءها ، وكأنني أرقص ﻋﻠﻰ ﻧﻐﻤﺎﺕ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺍﻓﻘﺖ ﻣﺴﻤﻌﻲ عمرا …
بقلم : الكاتبة الزهرة الحميمدي -المغرب