ثنائية (العزلة و الوحدة)

18 أغسطس 2023

أسامة الحنشي

حفاظا على عادتي..ورغبة مني في عدم الخروج عن تقليدي اليومي..جلست بمكاني المعتاد والذي هو بالواقع محرابي ومعبدي..ومسقط رأس ديواني الأول (أساور الحمام)..إنه زاوية بمكان قصي بالبيت..تحتاج للوصول إليه أن تقطع مسافات افتراضية..وتتجاوزحراس أمن أشداء..ناهيك عن إلزامية التوفر على جواز سفرو تأشيرة مرور..وأن يكون قلبك قادرا على تحمل أنواع من الدهشة ..وصنوف من الإسقاطات المتخيلة..وقادرا كذلك على تحمل أنواع متباينة من نكهات لايربط بينها معتقد ..غيروطأة الإحساس بالجمال .. وأخيرا دمغة محبة رسمية بمداد الياسمين.
جلست أحملق في هذا الفضاء الضيق الواسع..أنظر لكل ركن وأتذكر..وأتذكرلحد السهو وإعادة عيش لحظات لازالت محلقة في برزخ الأحداث..لتستقر جولتي المكانية بذاتي..حيث أرفع حالة تأهب في وجه تلك الأسئلة التي تداهمني كلما سنحت لها الفرصة وسنحت لها اللحظة..وسنح لها الآخر..الهاجس الذي يسكنني..
أطل علي ذلك الكائن الهاجس بصوت يفيض رقة وعذوبة ..وابتسامته الندية كغصن زيتون بفجرربيع..سأل لماذا أنت دؤوب العزلة.. دائم الوحدة؟
ساءني أن لا أجيبه وأتجاهله وكأنه من عدم.. أردت أن أكون على عادتي عبق الحضور.. لبق الردود..آنيا في نباهة.. متأنيا في دعة..فسكت لثوان ثم بادرت بالجواب :اسمع ياهاتفي المحترم ..ياصديقي المشاكس..بداية لاتخلط بين العزلة والوحدة.. فلكل منهما تعريف خاص..فبداية العزلة هي حالة مطلوبة لامفروضة أختارها طواعية ..هي رغبة وليست رهبة ..هي متعة نفسية وليست بدعة سلوكية..قال عمر بن الخطاب 🙁 خذوا بحظكم من العزلة).
بمعنى أنها حالة إيجابة تمكننا من الانخراط مع الذات وهي في ذات الوقت رفقة رائعة ..سليمة وصحية ومفيدة..ومن خلالها يمكنني التعبير عن نفسي بسعادة وشغف..
والعزلة هي طريقة للانفلات من مطالب الآخر..ومن مشاغل العالم من حولي..وبالتالي تمكنني من تحرير تلك المساحة الذهنية لاهتمامتي واحتياجاتي وابداعاتي الشخصية..العزلة تمكنني من إيجاد التوازن الداخلي.. فينتابني ذلك الشعور الغريب المميز..إنه الراحة النفسية..إنه الشعور بالتصالح مع الذات..التوافق مع العقل..إنه الإنصات للضمير..بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي تشل العقل وتئد الابداع.. في العزلة أقضي وقتا ممتعا في حوارمع ذاتي..مع ظلي..مع ذلك الجانب الذي أهرب منه وأنا مع الآخرين..أصل إلى حقيقة عمق لاوعيي.
أما الوحدة ياعزيزي الهاتف السائل فقد يشعر بها الانسان وهو في جماعة كانت حفلا ساهرا.. أو تظاهرة رياضية..أو مناسبة عائلية..لأن الوحدة حالة نفسية وهي نتيجة حالات اجتماعية وشعورية وبيئية..فالوحدة شعور شخصي يشمل الإحساس بالفقد ..وعدم الرغبة بالاندماج والانخراط ..النفور من إمكانية التفاعل والتناغم..وهذا يكون له تأثير سلبي على نفسية الانسان بالدخول في حالة اكتئاب وانطواء..ولا اعتقد أني كذلك بل أنا منطلق ..محلق في سماء الذات..عن قناعة ووعي .
خلاصة القول أيها الهاتف المقتحم لعزلتي.. يجب أن تعلم أن العزلة مطلوبة فكريا وإبداعيا ..بينما الوحدة مفروضة نفسيا ..فهي تتسم بتثبيت وتركيز الشعور بالألم ..نتيجة فقدان روابط العلاقات الإنسانية الطبيعية.
ولاأدل على ذلك تواجدك معي الآن بعزلتي ..ببيت سلامي ..وإن كنت تشعرني بأنك متطفل مقتحم لهذا الفضاء المادي والروحي..سلام صديقي ..حتى يعم السلام.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading