
محمد أكرم الغرباوي
على غرار دار المعلمات بالمدينة القديمة ، كان فضاء النادي النسوي السدراوي العريق بحي الأندلس ( سكرينيا سابقا) وغيره بأحياء المدينة قِبلة لعاشقات موسيقى عجلة الماكينة و سحرها في إخراج ملابس عصرية شبيهة بالتمام لصور الكاتالوجات الناذرة ،
إختارت نسوة من حينا ومنهن والدتي حفظها الله أن تسلكن طريق نسائم مسك الليل و السكنيات الإسبانية المعمار . إلى حيت معهد أو النادي النسوي ” السدراوي ” . الذي كان خبيرا منذ بداياته في استلهام همم النساء و بعث روح التعلم فيهن . و سد كل ذرائع التخوف أو عراقيل التغيب أو التوقف . خصصت لنا نحن الابناء الصغار فضاءات التعليم الأولي ، أقسام مبهرة بالألوان و اللعب نتعلم فيها أبجديات النطق السليم و القراءة و الإشتغال اليدوي و المهارة . كانت أمهاتنا بالقرب منا . ولكأننا دار منازلنا نحس الأمن و الأمان و متعة المجيء اليومي .
كنا نسرق التلصص و نتطلع الى مايقمن به داخل صالات و أقسام الماكينات ( الالات ). طاولات كبيرة و أثواب و ملابس . أدركنا أنها طاولات الفصالة و الخياطة الجماعية و الطرز و الإشتغال على الملابس الصوفية بإستعمال الأعواد . إختلف نطقنا يومها للأستاذة كانت لدينا مٌعلمة بضم الميم و كسر اللام . بينما كان لهن مْعلمة بتسكين الميم و اللام . لكن الهدف واحد . مربيات معلمات مخلصات لروح النبل و الصنعة . هن شريفات دار او نادي السدراوي طوال التاريخ .
خلال فترة إستراحتنا كنا نسمع صوت عجلات آلات الخياطة وهي تدور و تسبح مع الثوب في ميلان و إستقامة . وكثيرا ما كنا نسمع بعض صرخاتهن بعد إصابتهن بوخز إبرة او ضربة مقص أو عضة نزق ( الفار مربط الخيط)
هي نفسها آلة الخياطة التي كانت ببيتنا لسنوات وكأنها إختارت أن لاتكبر بكبرنا . كانت ببهو منزلنا . نستمتع بهديرها و رنتها . ظلت أمي ترافقها و تستمتع بقدرتها على مسايرتها في الخلق و الإبداع و التفنن في حياكة ملابسنا الأنيقة التي كنا نفخر أنها من صنع يديها الكريمتين. كما هو حال العديد من أصدقاء و صديقات الطفولة . وأذكر جولاتنا بحثا عن ثوب من تجار المدينة الشرفاء الحاج السفريوي و الحاج التيمي البقالي رحمهم الله و الحاج سليمان و بنيس و البوطي …ألهمم الله جميعا الصحة و العافية و كذا طواف الخيط من العطارين . عملية الفصالة كانت تتطلب حسابات و دقة و تركيز ( ميات تخميمة و تخميمة و لاضربة المقص ) كانت عودتنا من المدرسة مساء لاتحلو إلا بشاي وقطعة خبز و زيت و سكر و صوت العجلة الحديدية يهضمها .
هكذا عاشت أمهاتنا – حفظهن الله و بارك في اعمارهن و صحتهن و رحم الله بعضهن – هكذا بهذا النفس و موسيقى الجهد و التعب أحيانا عشن متعة هواياتهم و إخلاصهن لسر الحياة و التعاون الأسري . ومنهن من كانت الآلة ( الماكينة ) هذه عمودا لها يصون كرامتها و كرامة أسرتها . و الماكينة بهذا الإسم القوي اللفظ عرفناها . لكنها لم تهزم يوما المؤنسات ، القوارير الحرائر .
كم مرة صعدت سطح المنزل ووجدتها منفصلة قطعة قطعة في حالة صيانة . ثم تعود للدوران كماهي ساعة الزمن .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي