دار الصنعة – دار الشرفا
محمد أكرم الغرباوي
مقام البوح 12
عدوة باب الواد ، حي الطابية ، القطانين ، سوق الصغير ، سيدي قاسم بن زبير … بكل منها منزل عتيق بأقواس و فناء كبير بزليجه الثماني الرؤوس . الطريق إلى دار المعلمة او دار الصنعة ، ضيق و ملتوي ، ببهوه أو بركنه المقوس ( المقعد ) فتيات و نسوة في حديث عن العادات و الزواج و الولادة وأخبار المدينة و اللاشيء … . وأحيانا يكن في همس طويل ينتهي بضحكة طويلة تقابلها المعلمة – هي في الغالب صاحبة المنزل – بكلمة تعجبية واحدة فقط – إيوااا !!! – ماالحكمة في هذه الكلمة ( إيوا ) تخرس الألسن و تحمر لها الوجنات . كافية لإنهاء كل صخب أو غضب
…
لاوجود لمقاعد خشبية بالفناء فقط ملفوفات من الملابس القديمة أو الصوف أو التبن تجمع بثوب أو جلد على شكل دوائر عرفت بالفرتلات أو البوفات أو طابورات .
يجلسن على أطراف الفناء بشكل حلقة أو نصف دائرة . كل واحدة تتكلف بأدوات إشتغالها . عبارة عن حلقتين من الخشب تجتمعان مع بعضهما بمقبض حديدي . ( المرمة او البستيدور ) . لتشكل آلة ضغط الثوب ومكان الطرز و الحياكة . إبر مختلفة ، و خيوط من حرير مختلف ألوانه. وقطعة ثوب حسب المنتوج ( نطع ، سوسدي …) قد تكون ( مخدة ) وسادة مربعة او مستطيلة ( مسند ) أو غطاء ( صبانة ) أو ملابس العروس ( قفطان مزكرش ، قميص و سروال ) . كانت المعلمة تتكلف بالإتفاق مع الزبونات المقبلات على الزفاف لإعداد إحتياجاتها الأساسية في العرس التقليدي من طرز مستلزمات بيت الزوجية . ( الشوار ) . شرط عدم إستعمال الماكينة . و إعتماد العمل اليدوي . بعدها تقوم بعملية الفصالة وتوزيع الأدوار حسب مهارات و إتقان الصنايعيات بمنزل دار المعلمة . او دار الشريفة .
الزغاريد تسمع أحيانا من داخل دار الصنعة .إعلانا عن إنتهاء منتوج، أو هدية ( الحلاوة ) من مقبلة على زواج . أو إستغلال عدم تواجد المعلمة واطلاق العنان لأصواتهن الجميلة .
زقاق العطارين نسبة إلى فضاء مخصص لبيع أنواع الحرير و ليس العطور . كانت محلاته متراصة في صفين متقابلين داخل قيسارية وسط المدينة ببابين تطلا على الشارع الكبير المقابل لعدوة حي الشريعة ، تستقبل هذه الدكاكين المعلمات الطرازات قصد إختيار الحرير الذي كان في الغالب بلون أخضر . وأحيانا أحمر أو أزرق . هكذا كانت ألوان الأثواب المطرزة . [ قيل لي أن الاخضر يخصص لطقوس الزواج و الأزرق للعقيقة و الأحمر للزينة ] بالمقابل كانت بعض المعلمات تقوم بمقايضة ثمن الحرير بالعقد الحريرية . حيت كان ببيت الصنعة بعض الصانعات المتخصصات في العقاد ( – جمع عقدة – الجلابة الرجالية أو القفطان النسائي الذي كان يومها يجمع في الوسط بعقد من العنق الى أسفل الركبتين
.)
أصحاب المحلات بالعطارين سي محمد الشريف ، العياشي ، عبد السلام ، المالكي … كانوا صلة وصل حرفي ومهني بين المعلمين و المعلمات و صانعات الإكسوارات أو مكملات اللباس التقليدي من قبيل العقاد أو ( المجدول ) حزام او شوشات وهي عبارة عن تجميع خيوط الحرير لوضعه بالقبعات الرجالية أو غطاء الجلباب النسائي قصد الزينة )
كان حي الطابية بعدوة باب الباب و قربه من العطارين و الديوان حيت تواجد مصفوفات دكاكين الخياطة معروف بالعديد من الشريفات اللواتي جمعت الفتيات و النسوة و علمتهن الحرفة و الصنعة و إمتهان الحلال . قصد إعالة أنفسهن و أسرهن و أزواجهن . وإستثمار للجهد و الوقت . و تيمنا بحكمة البسطاء . الصنعة إذا ماغنات تستر . كانت البيوت و المنازل معروفة بدار الصنعة او الشريفة أو بأسماء نساء نحثن إسمهن بفخر وإكبار و نلن الدعوات و البركات . دار المعلمة ربيعة . الزاهية . فطوم . الفاسية . اللواتي فتحن مدارس عائلية زرعن في روادها ومتعلميها الأخلاق و القيم الكثير من العفة و الكرامة .
تعددت الأسماء و الصفة واحدة الشريفة المعلمة .
بالمقابل كانت الأندية النسوية العصرية التي جمعت بين رياض الأطفال و التعليم الحرفي النسوي . بالمركز الثقافي و المعهد الموسيقي حاليا ، و دار السدراوي بحي الأندلس تبرع و تبهر لتؤسس لفضاءات نسوية تقنية جديدة.
محمد أكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي