محمد أكرم الغرباوي
دكان صغير بالجانب الأيسر لقيسارية الطرافين . على غير شاكلة و لاحرفة من يجاورونه . متخصص في بيع و إصلاح و نفخ البوفات ( كرة سميكية كانت بداخل كرات القدم الجلدية) بهواء .
رجل قصير القامة ، بطاقية زرقاء ، و بدلة طويلة شبيهة بمعطف تجار أهل سوس . رجل صارم ، سريع البديهة ، ذو إحساس كبير – بالغاشي – باللصوص . كان أول من فتح قاعة للألعاب الداخلية للبيلياردو billard . رغم ضيق ورداءة المكان ورائحة السيلسيون و لصاق الأحدية ( الكولا ) . كان هدفنا الحصول على دور و حصة للعب . وسط الدكان المكدس . طاولة كرة القدم مستطيلة بلاعبين من خشب . تحركهم خفة يدينا بعد استدارة العود الحديدي المرتبط بالاعبين . ثمن حصة اللعب درهم واحد مقابل خمس أهداف . ( خمس جولات )
” المعلم البياري ” نسبة للعبة البيار هاته – billard . كان المكلف برمي الكرة الأولى معلنا بداية المباراة . بعدها يتخذ دور الحكم . يقرر الهدف الصحيح و يحل النزاع و الخلاف بإعتباره ( var ) اللعبة و المكان . يعمل على طرد كل من يتلفظ بسوء أو كلام نابي . أو من يغالي في التنمر على المبتدئين .
سمعنا أن ” المعلم البياري ” أتى المدينة من وجهة غير معلومة، ومنهم من قال غير ذلك . تعددت الحكايا حول تاريخه و شبابه ، وشاع أنه كان لاعب كرة قدم ماهر . و خوفا من عقوبة أتى القصر .
ظل كتوما مدة إقامته بالدكان – قاعة اللعب – لا يتحدث سوى عن مهنته و لعبته . يتخذ من مطعم المعلم الشريف خبير وجبة البيصارة بالكزارين أكلة له ومن محله مسكنا .
باب الدكان كل يوم يعج بالتلاميذ و الشباب و بعض الأطفال لكنه يختار بعناية زبناءه ورواده ، بالداخل على حائط الدكان صور منتخب مكسيكو 86 . ومارادونا . وصورة قرد يأكل البانان ، و قطعة خشب إتخدها سبورة بها علامات و أسماء و أرقام . كانت بمثابة لوحة دوريات كروية ينظمها خلال رمضان .
الملعب الخشبي أو طاولة لعبة البيار بالطرافين كانت تنافس أرضية ملعب المصلى ، و أرضية الشعيبي و دوريات سلام و بوسلهام و الفاضلي و بنزكري…. . وأرضية ملعب الشوك ودار الدخان .
بدرهم الواحد نتقاسمه بيننا نحن الأربعة – الحمدوني ، اكرم ، الموساوي والحنفي- كان كافيا لصناعة فسحات الفرح و خلق الفرجة و المحبة بيننا . لم ننسى بعض أو اختلفنا طوال أربعون سنة .
البياري الرجل البسيط ساهم بأسلوبه ولعبته و فكره البسيط في تأثيت معالم مدينة سعت للتخلص من بداوتها باكرا .
ذكرى ” البياري ” جعلتنا ننتبه متأخرين أن عجلة الدفع بالمدينة كانت في حاجة اليه ولمعداته ليضخ بها هواء أفق ، بدل دخان جعجع و قلق .
هو نفسه الدكان لايزال ، بحرفة مختلفة لكنه التاريخ نفسه لم يتغير . في مدينة عصية على كل نسيان .
محمد اكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي