مقام البوح 9 – البيار : أول قاعة ألعاب داخلية

10 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي

دكان صغير بالجانب الأيسر لقيسارية الطرافين . على غير شاكلة و لاحرفة من يجاورونه . متخصص في بيع و إصلاح و نفخ البوفات ( كرة سميكية كانت بداخل كرات القدم الجلدية) بهواء .
رجل قصير القامة ، بطاقية زرقاء ، و بدلة طويلة شبيهة بمعطف تجار أهل سوس . رجل صارم ، سريع البديهة ، ذو إحساس كبير – بالغاشي – باللصوص . كان أول من فتح قاعة للألعاب الداخلية للبيلياردو billard . رغم ضيق ورداءة المكان ورائحة السيلسيون و لصاق الأحدية ( الكولا ) . كان هدفنا الحصول على دور و حصة للعب . وسط الدكان المكدس . طاولة كرة القدم مستطيلة بلاعبين من خشب . تحركهم خفة يدينا بعد استدارة العود الحديدي المرتبط بالاعبين . ثمن حصة اللعب درهم واحد مقابل خمس أهداف . ( خمس جولات )
” المعلم البياري ” نسبة للعبة البيار هاته – billard . كان المكلف برمي الكرة الأولى معلنا بداية المباراة . بعدها يتخذ دور الحكم . يقرر الهدف الصحيح و يحل النزاع و الخلاف بإعتباره ( var ) اللعبة و المكان . يعمل على طرد كل من يتلفظ بسوء أو كلام نابي . أو من يغالي في التنمر على المبتدئين .
سمعنا أن ” المعلم البياري ” أتى المدينة من وجهة غير معلومة، ومنهم من قال غير ذلك . تعددت الحكايا حول تاريخه و شبابه ، وشاع أنه كان لاعب كرة قدم ماهر . و خوفا من عقوبة أتى القصر .
ظل كتوما مدة إقامته بالدكان – قاعة اللعب – لا يتحدث سوى عن مهنته و لعبته . يتخذ من مطعم المعلم الشريف خبير وجبة البيصارة بالكزارين أكلة له ومن محله مسكنا .
باب الدكان كل يوم يعج بالتلاميذ و الشباب و بعض الأطفال لكنه يختار بعناية زبناءه ورواده ، بالداخل على حائط الدكان صور منتخب مكسيكو 86 . ومارادونا . وصورة قرد يأكل البانان ، و قطعة خشب إتخدها سبورة بها علامات و أسماء و أرقام . كانت بمثابة لوحة دوريات كروية ينظمها خلال رمضان .
الملعب الخشبي أو طاولة لعبة البيار بالطرافين كانت تنافس أرضية ملعب المصلى ، و أرضية الشعيبي و دوريات سلام و بوسلهام و الفاضلي و بنزكري…. . وأرضية ملعب الشوك ودار الدخان .


بدرهم الواحد نتقاسمه بيننا نحن الأربعة – الحمدوني ، اكرم ، الموساوي والحنفي- كان كافيا لصناعة فسحات الفرح و خلق الفرجة و المحبة بيننا . لم ننسى بعض أو اختلفنا طوال أربعون سنة .
البياري الرجل البسيط ساهم بأسلوبه ولعبته و فكره البسيط في تأثيت معالم مدينة سعت للتخلص من بداوتها باكرا .
ذكرى ” البياري ” جعلتنا ننتبه متأخرين أن عجلة الدفع بالمدينة كانت في حاجة اليه ولمعداته ليضخ بها هواء أفق ، بدل دخان جعجع و قلق .
هو نفسه الدكان لايزال ، بحرفة مختلفة لكنه التاريخ نفسه لم يتغير . في مدينة عصية على كل نسيان .
محمد اكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading