الحسن ، ذاكرة مفرد

2 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي كاتب ومخرج مسرحي

لم تكن له أسرة لكن كل الأطفال ينادوه با أو عمي الحسن ، كان يسعد و يحزن يرقص و يبكي مع سكان الحي .
كنا ننظر إليه كمحارب اسبرطي، وهو ينقل أثقال الأعواد من شاحنة مهترئة إلى جدار الفرن، ليشرخها بلاهوادة طوال النهار بفأس حادة .
هو نفسه من يرتدي جلبابا ناصع البياض ، و يسدل شعره الطويل الى الكتف . و يختار مكانه المعتاد بين المصلين كل جمعة . كنا نتغامز لرؤيته وهو يحرك شفاه عند كل جمع كلمة أثناء التلاوة القرآنية . ( المومنون ، التائبون …)
كان يتقن الحساب و العد و الجمع و يتذكر الأوصاف و النعوت و الأزقة و الدروب و الأسماء ، عند العيد و الأفراح كان يوزع الوصلات ، موائد الخبز و الحلويات دون علامة او اشارة تذكر .
كثيرا ما استغرب الجميع من ساعي البريد الذي يسلمه أحيانا رسائل بيضاء بخطوط حمراء ، الى أن باح بسره احد الاقران الذي كان يرد على رسائل المعجب بها احدى فاتنات الشاشة المصرية .
في خلوته بسطح الفرن كانت صور الراحل محمد الخامس ، و الحسن الثاني و مجلات بها صور فاتنته . ومذياع صغير .
هذا ما تركه يوم غاب عن الفرن لأشهر الى أن عاد وجمع أغراضه بعدما أعلن أن بنعيسى صاحب الفرن قد مات .
حكايات الحسن وهداياه للأطفال و زجله و رسائله ، قصصه عن أسرته التي ستعود يوما ، … ظلت لصيقة و طيف الفرن و الحي و الساكنة ، الكثير حاولوا ايواء و ايلاء الحسن المكانة و المكان الذي يليق به . لكنه آثر مكانا اختاره لينعم بخلوة وهروبا ونمطا اعتاده .
تغيرت معالم الفرن ، وانتشل التاريخ الحكايا الى أن أُعلن ان الحسن رحمه الله الذي عرفه الجميع خدوما أمينا وافته المنية بدار العجزة وحيدا .
البداية و النهاية مفرد .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب ومخرج مسرحي

 

 

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading