محمد أكرم الغرباوي كاتب ومخرج مسرحي
لم تكن له أسرة لكن كل الأطفال ينادوه با أو عمي الحسن ، كان يسعد و يحزن يرقص و يبكي مع سكان الحي .
كنا ننظر إليه كمحارب اسبرطي، وهو ينقل أثقال الأعواد من شاحنة مهترئة إلى جدار الفرن، ليشرخها بلاهوادة طوال النهار بفأس حادة .
هو نفسه من يرتدي جلبابا ناصع البياض ، و يسدل شعره الطويل الى الكتف . و يختار مكانه المعتاد بين المصلين كل جمعة . كنا نتغامز لرؤيته وهو يحرك شفاه عند كل جمع كلمة أثناء التلاوة القرآنية . ( المومنون ، التائبون …)
كان يتقن الحساب و العد و الجمع و يتذكر الأوصاف و النعوت و الأزقة و الدروب و الأسماء ، عند العيد و الأفراح كان يوزع الوصلات ، موائد الخبز و الحلويات دون علامة او اشارة تذكر .
كثيرا ما استغرب الجميع من ساعي البريد الذي يسلمه أحيانا رسائل بيضاء بخطوط حمراء ، الى أن باح بسره احد الاقران الذي كان يرد على رسائل المعجب بها احدى فاتنات الشاشة المصرية .
في خلوته بسطح الفرن كانت صور الراحل محمد الخامس ، و الحسن الثاني و مجلات بها صور فاتنته . ومذياع صغير .
هذا ما تركه يوم غاب عن الفرن لأشهر الى أن عاد وجمع أغراضه بعدما أعلن أن بنعيسى صاحب الفرن قد مات .
حكايات الحسن وهداياه للأطفال و زجله و رسائله ، قصصه عن أسرته التي ستعود يوما ، … ظلت لصيقة و طيف الفرن و الحي و الساكنة ، الكثير حاولوا ايواء و ايلاء الحسن المكانة و المكان الذي يليق به . لكنه آثر مكانا اختاره لينعم بخلوة وهروبا ونمطا اعتاده .
تغيرت معالم الفرن ، وانتشل التاريخ الحكايا الى أن أُعلن ان الحسن رحمه الله الذي عرفه الجميع خدوما أمينا وافته المنية بدار العجزة وحيدا .
البداية و النهاية مفرد .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب ومخرج مسرحي