
ذ . ادريس حيدر :
كان يوم معانقتي للحرية بمعية ثلة من رفاقي قد اقترب ، و ذلك بعد قضائنا للعقوبات السجنية التي قضت بها المحاكم.
خطط رفاقنا الذين حوكموا و أُدِينوا ظلما بعقوبات أطول، لإحياء حفلة الوداع.
و هكذا كلفوا عائلاتهم بإرسالهم أطعمة شهية و مشروبات متنوعة .
و ليلة الإفراج عنا ، اُلْقِيت الكلمات من طرف بعض الرفاق الذين كانوا يتمتعون بمهارات في الخطابة و حسن التواصل .
كانت تتضمن إشادتهم بصمودنا و شجاعتنا و جرأتنا و تشبثنا بالمبادئ و القيم التي من أجلها تم الزج بنا في السجن بعد مسلسل من التعذيب و الإساءة .و نوهت بروح التضامن التي تحلينا بها و الأخلاق الرفيعة التي ميزتنا.
و اعلنوا عهدهم على مواصلة النضال ، من داخل زنازينهم ضد كل أشكال الظلم و التخلف و الفساد الذي يسود المجتمع .
كما انهم أكدوا يقينهم بأن الحركة اليسارية ستنتقل إلى مرحلة أخرى من النضال قوامها تأسيس ” جبهة اليسار” التي ستعمل من أجل تحقيق بعض الاهداف و المرامي السامية و التي تهدف القضاء على الفساد و كل انواع الريع و توزبع ثروات الوطن بشكل عادل تهدف و صيانة المكتسبات ، طالبين منا أن نُبْلِغَ تحياتهم لباقي الرفاق خارج السجن .
بعدها ، أُعْطِيَت الكلمة لبعض ممن سَيُطْلَقُ سراحهم ، و الذين شكروا كل الرفاق على مبادرتهم الجميلة التي تنم عن روح إنسانية عالية و رفيعة . كما انهم جددوا العهد على مواصلة النضال و التضامن و التآزر.
رقصنا و غنينا اناشيدنا الخاصة التي تنتصر للمستضعفين، و تحلم بالحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية .
و بعد نهاية الحفل الرمزي ، خلد الجميع للنوم ، إلى أن استفقنا على صوت أحد الحراس و هو يعلن بصوت عال ، الإفراج على مجموعة من المعتقلين السياسيين و تلا اسماءهم بصوت عال.
انتظمنا في صف واحد ، و كان كل منا يحمل أشياءه الصغيرة ، و بعد سلامنا على رفاقنا ، و قبل اختفاءنا عن أنظارهم، رفعنا بشكل متبادل شارات النصر ، و كان البعض منا يبكي من حرقة الفراق .
و عند خروجنا من البوابة الكبيرة للسجن ، هبت علينا ريح خفيفة ، انعشت وجداننا ، و شعرتُ شخصيا بذبيب في عروقي ، غير مسبوق و بنشوة ممتعة ، و كانت تلك نسائم الحرية .
كان ينتظرنا ثلة من المناضلين برفقة أفراد من عائلاتنا و في يد البعض منهم ورودا و ازهارا.
و كانوا قد صفقوا علينا طويلا بمجرد ظهورنا بباب السجن ، كما علت المكان زغاريد النساء و ارتسمت على وجه أغلبهم ضحكات و ابتسامات ، إعلانا بفرحة عودتنا سالمين و بالإفراج عنا و تحية عالية منهم لصمودنا .
رُفِعن الشعارات و الاناشيد ، و عاد كل المستقبلين يمتحون من شعر” أبي القاسم الشابي ” ، و يستلهمون من قصيدته الخالدة بعض القيم الملائمة لتلك اللحظة الفريدة :
” إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
و لا بد للليل أن ينجلي
و لا بد للقيد أن ينكسر ”
يتبع…
تشكيل : إدريس حيدر.