يوميات معتقل سابق : يوم الإفراج.

14 يوليو 2023

ذ . ادريس حيدر :

كان يوم معانقتي للحرية بمعية ثلة من رفاقي قد اقترب ، و ذلك بعد قضائنا للعقوبات السجنية التي قضت بها المحاكم.
خطط رفاقنا الذين حوكموا و أُدِينوا ظلما بعقوبات أطول، لإحياء حفلة الوداع.
و هكذا كلفوا عائلاتهم بإرسالهم أطعمة شهية و مشروبات متنوعة .
و ليلة الإفراج عنا ، اُلْقِيت الكلمات من طرف بعض الرفاق الذين كانوا يتمتعون بمهارات في الخطابة و حسن التواصل .
كانت تتضمن إشادتهم بصمودنا و شجاعتنا و جرأتنا و تشبثنا بالمبادئ و القيم التي من أجلها تم الزج بنا في السجن بعد مسلسل من التعذيب و الإساءة .و نوهت بروح التضامن التي تحلينا بها و الأخلاق الرفيعة التي ميزتنا.
و اعلنوا عهدهم على مواصلة النضال ، من داخل زنازينهم ضد كل أشكال الظلم و التخلف و الفساد الذي يسود المجتمع .
كما انهم أكدوا يقينهم بأن الحركة اليسارية ستنتقل إلى مرحلة أخرى من النضال قوامها تأسيس ” جبهة اليسار” التي ستعمل من أجل تحقيق بعض الاهداف و المرامي السامية و التي تهدف القضاء على الفساد و كل انواع الريع و توزبع ثروات الوطن بشكل عادل تهدف و صيانة المكتسبات ، طالبين منا أن نُبْلِغَ تحياتهم لباقي الرفاق خارج السجن .
بعدها ، أُعْطِيَت الكلمة لبعض ممن سَيُطْلَقُ سراحهم ، و الذين شكروا كل الرفاق على مبادرتهم الجميلة التي تنم عن روح إنسانية عالية و رفيعة . كما انهم جددوا العهد على مواصلة النضال و التضامن و التآزر.
رقصنا و غنينا اناشيدنا الخاصة التي تنتصر للمستضعفين، و تحلم بالحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية .
و بعد نهاية الحفل الرمزي ، خلد الجميع للنوم ، إلى أن استفقنا على صوت أحد الحراس و هو يعلن بصوت عال ، الإفراج على مجموعة من المعتقلين السياسيين و تلا اسماءهم بصوت عال.
انتظمنا في صف واحد ، و كان كل منا يحمل أشياءه الصغيرة ، و بعد سلامنا على رفاقنا ، و قبل اختفاءنا عن أنظارهم، رفعنا بشكل متبادل شارات النصر ، و كان البعض منا يبكي من حرقة الفراق .
و عند خروجنا من البوابة الكبيرة للسجن ، هبت علينا ريح خفيفة ، انعشت وجداننا ، و شعرتُ شخصيا بذبيب في عروقي ، غير مسبوق و بنشوة ممتعة ، و كانت تلك نسائم الحرية .
كان ينتظرنا ثلة من المناضلين برفقة أفراد من عائلاتنا و في يد البعض منهم ورودا و ازهارا.
و كانوا قد صفقوا علينا طويلا بمجرد ظهورنا بباب السجن ، كما علت المكان زغاريد النساء و ارتسمت على وجه أغلبهم ضحكات و ابتسامات ، إعلانا بفرحة عودتنا سالمين و بالإفراج عنا و تحية عالية منهم لصمودنا .
رُفِعن الشعارات و الاناشيد ، و عاد كل المستقبلين يمتحون من شعر” أبي القاسم الشابي ” ، و يستلهمون من قصيدته الخالدة بعض القيم الملائمة لتلك اللحظة الفريدة :

” إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
و لا بد للليل أن ينجلي
و لا بد للقيد أن ينكسر ”

يتبع…

تشكيل : إدريس حيدر.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading