في صف الصلاة تسقطُ الألقاب أرضا

12 يوليو 2023

رضا تنافعت

“(…) في صف الصلاة تسقطُ الألقاب أرضا – بل لا يحق لها أن تدخل باب المسجد أصلا- وتسقط مع هذه الألقاب عزةُ النفس الموهومةُ، وكبرياؤها الغليظُ، وأنَفَتُها القاتلة…!!
في صف الصلاة تسقط الدرجاتُ التي تفصل بين الناس، والأموالُ التي تتكاثر في جيب واحد دون آخر، والرتبُ التي ترفع قَدْر ناسٍ دون غيرهم… الكل يصير واحدا، لا يحمل درهما ولكنه يحمل ذنبا، ولا يتفاخر بجاهٍ ولكنه يتذلل بمعصية، ولا يغتر بعلم ولكنه يبوء بجهل… فإذا بالصف فكرة نكتبها بأجسادنا، إذ يصير الواحد منا في حُكم الكلمة،حتى إذا استقام الصفُ استقامت الجملةُ واكتمل التركيبُ، وإذا بالمعنى واضح لا يتأول، فيه دعوة لأن نتطهر منا فلا شيء يُثقل سيرنا في اتجاه الله غير نفوسنا المدخولة!!
ثم كرر الإمام دعوته لتلتئم الصفوفُ ويموت الفراغُ فيها، وتلتصق الأكتاف فتقلَّ الفجوات، وتنعدم الفرجُ، وذلك بعدما أبصر أناساً متفرقين هنا وهناك يرغبون في الصلاة مع الإمام وهم بعيدون عن الجماعة، فعلمتُ حينها بأن جماعتهم ليست جماعة، وبأن عبادتَهم الظاهرة في حاجة إلى عبادة باطنة، ذلك أن التعبد الحق يقتضي أن تقتلَ النفسُ نفسَها، إذ اللهُ يُعبد كما أراد لا كما نريد، وكما أمر، لا كما أحببنا، ويريدنا أن نكون على صيغة وَصَفها، لا على صيغةٍ وصفناها لأنفسنا، فهولاء المتفرقون المتناثرون بعيدا عن الصفوف ينقصهم أن يقتلوا شيئا من الهوى مازال عالقا بقلوبهم، لأن بعضهم لا يرغب في أن يقترب إلى جنب أخيه، وبعضهم الآخر لا يريد أن يتواضع فيُلصق رِجله برجْل أخيه، فإذا بالفراغ يتوسع، وبالقلوب تتنافر، فتبطل روح الصلاة حتى وإن لم تبطل هي،ويضيع معناها حتى وإن لم يضع شكلها، فيكثر المصلون وتقل الصلاةُ، ويعمر المسجد وهو أقرب إلى الفراغ، فتنشأ أضدادٌ أخرى مِن رَحِم بيت الله، وهذا إثم غليظ لأنه نشأ نجاسةً في بيت الطهارة، وتكوَّن شاردًا في مكان الخشوع، فأفسد على الناس دينَ دينِهم بعدما وضعوا أسلحتهم وظنوا أنهم في مأمن!! (…)”.

رضا تنافعت،
2023،
الرباط

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading